معهد واشنطن: زيارة بوتين إلى مصر تحقق منفعة متبادلة

أصدر معهد واشنطن لدراسات سياسية الشرق الأدنى، تقريرا يحلل زيارة الرئيس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى مصر، ولقاء القمة بين الرئيسين المصرى والروسى، اليوم الاثنين، ونشر التقرير تحت عنوان "كيفية تحليل زيارة بوتين الى مصر"، والذى قام بالنظر الى الجوانب المختلفة والمتعددة من الأوضاع فى كلا البلدين، وتطور العلاقات المصرية مع روسيا، فى ظل تدهورها مع الولايات المتحدة الأمريكية.
ويتم خلال القمة مناقشة العلاقات الثنائية على نطاق كامل، بما فيها العلاقات السياسية والتجارية والاقتصادية والانسانية، كما يتبادل الزعيمان وجهات النظر حول الوضع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخاصة في العراق وسوريا وليبيا، ويناقشان موضوع عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، وبالإضافة إلى ذلك، فمن المتوقع لن يتم التطرق الى سعى موسكو لبناء محطة للطاقة النووية في مصر، كما تتطلع الشركات الروسية إلى دخول قطاع النفط والغاز في البلاد، فسيتم طرح هذه القضايا أيضاً.
ورصد تقرير المعهد تحسن العلاقات المصرية الروسية، مع تراجع العلاقات الأمريكية المصرية بشكل حاد بعد الإطاحة بمحمد مرسي في يوليو 2013، ، ونمو نوع من الارتياب المتزايد في القاهرة بسبب تعاطي الولايات المتحدة مع جماعة الإخوان، ورأى ان الأهم فيما يتعلق بالعلاقات بين مصر وأمريكا هو أن واشنطن أخّرت من تسليم شحنات الأسلحة إلى مصر وحجبت المساعدات العسكرية وأوقفت في وقت لاحق الحوار الاستراتيجي الثنائي الناشئ.
وفي المقابل، أعرب الكرملين عن دعمه للقيادة المصرية الجديدة بعد 30 يونيو، كما تبادل كبار المسؤولين عدداً من الزيارات منذ ذلك الحين، وفي نوفمبر 2013، زار وفد مصري موسكو وشكر روسيا على دعمها لثورة 30 يونيو.
وفي فبراير التالي، أيّد بوتين بحماس ترشح المشير السيسي للانتخابات الرئاسية خلال لقائه به خارج موسكو، إذ قال له: "إنه لقرار مسؤول جداً أن تأخذ على عاتقك مسؤولية مصير الشعب المصري، باسمي وباسم الشعب الروسي أتمنى لك حظاً موفقاً".
ومع استمرار تدهور العلاقات الأمريكية المصرية، ابتعدت القاهرة على نحو متزايد عن الغرب باتجاه روسيا، وفي العام الماضي، وقّعت الدولتان بالأحرف الأولى على عقود لشراء أسلحة بقيمة 3.5 مليار دولار، وهي أكبر صفقة لهما منذ سنوات عديدة، وستقوم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بتمويلها، وقد أفادت التقارير أن العقد ينص على أن روسيا ستزوّد الجيش المصري بطائرات مقاتلة من طراز "ميج 29"، ومروحيات هجومية من طراز "مي 35"، ومجمعات صواريخ الدفاع الجوي والذخائر والمعدات الأخرى.
وأشار التقرير أن الحصول على المزيد من الطائرات المروحية أمر بالغ الأهمية بشكل خاص للحملة التي تقوم بها مصر ضد المتمردين الإسلاميين، فالجيش يملك بالفعل عدة طائرات مروحية روسية، ووفقاً لأقوال الطيارين المباشرة، إن هذه المروحيات مناسبة جداً لتلبية احتياجات مصر.
كما أفادت التقارير، خلال مؤتمر صحفي عُقِد في موسكو في أواخر الشهر الماضي، أن السفير المصري لدى روسيا محمد البدري وصف العلاقات الثنائية بأنها "في تحسن"، مشيرا الى أن التجارة بين البلدين قد ارتفعت إلى 3 مليارات دولار في عام 2014، ووفقاً لـ "هيئة الجمارك الاتحادية الروسية"، فيصل حجم التجارة المتبادلة الى 4.6 مليار دولار خلال 2014، منها 4.1 مليار دولار من الصادرات الروسية، حيث أن روسيا هي رابع أكبر منتج للقمح في العالم، وأن مصر هي ثاني أكبر مشترٍ.
ووفقاً لصحيفة "فاينانشال تايمز" اقتنت مصر حوالي 20 % من صادرات القمح الروسية في الفترة بين عام 2013 وحتى مارس 2014، وقد أشار جورجي بيتروف، نائب رئيسٍ غرفة التجارة والصناعة الروسية، مؤخراً أن رجال الأعمال الروس حريصون على دخول الأسواق المصرية، وبالإضافة إلى ذلك، فإن أكثر من 3 ملايين سائح من بين السياح الروس الذين سافروا إلى الخارج في عام 2014 والذين بلغ عددهم 10 ملايين، زاروا مصر وبشكل رئيسي شرم الشيخ.
وأشار التقرير الى تقارب موقف مصر وروسيا فيما يتعلق بجماعة الاخوان، ففي فبراير 2003، حظرت المحكمة العليا الروسية الجماعة من العمل في الاتحاد واصفةً إياها رسمياً منظمة إرهابية، ومنذ فترة طويلة، كانت الجماعة تطرح مشكلة بالنسبة إلى روسيا، إذ غالباً ما تنتقد موسكو مساعدة الإخوان على تسليح الإسلاميين المتطرفين في شمال القوقاز الذين يستمرون حالياً في زعزعة استقرار المنطقة.
ورصد التقرير تأزم العلاقات المصرية الأمريكية، حيث تخلت الولايات المتحدة عن مصر في معركتها ضد الإرهابيين، إذ صرح السيسي في مقابلة أجراها مع صحيفة "واشنطن بوست" في أغسطس 2013 قائلاً: "أدرتم ظهركم للمصريين ولن ينسوا لكم ذلك"، وجاء هذا التصريح بعد وقت قصير من تجميد الرئيس أوباما تسليم طائرات من طراز "إف-16" كما كان مقرراً وإلغائه مناورات عسكرية مشتركة، كما أظهرت واشنطن وقوفها إلى جانب مرسي، وفي يوليو 2013، ادّعى حسام الهندي، القيادي في حركة "تمرد" أن إدارة أوباما كانت تتعاون مع الإخوان، وقد جاءت التقارير عن استضافة الرئيس أوباما ووزارة الخارجية الأمريكية عدداً من أعضاء الجماعة لتزيد من نظريات المؤامرة.
وفي هذا الاطار، يعزز موقف روسيا من جماعة الإخوان من مصداقية موسكو في نظر القاهرة، في حين يقلل من مصداقية الولايات المتحدة، الأمر الذي يجعل العلاقات مع روسيا أسهل كثيراً من وجهة نظر مصر ويتيح خيارات أمام القاهرة إذا ما أصبح خيار واشنطن حرجاً للغاية.
كما رصد تقرير المعهد الحالة الاقتصادية التى يمر بها البلدين، حيث دخلت روسيا في ركود اقتصادي عميق بسبب تراجع أسعار النفط وفرض العقوبات الغربية التي أثارها ضم شبه جزيرة القرم في مارس 2014، بالاضافة الى ارتفاع مستوى الفقر والبطالة فى مصر، وسط تهديدات الإرهاب، لذا رأى انه يجب رؤية الزيارة من هذا المنظور.
وعلى الجانب الروسى، فتشكل الزيارة إعلاناً للغرب بأنه ليس معزولاً على الساحة الدولية على أثر الأزمة في أوكرانيا على الرغم من التصريحات الغربية التي تشير على عكس ذلك، ومن المتوقع ان يقوم بوتين بعدة زيارات أخرى بالمنطقة في الأشهر المقبلة ليؤكد أنه زعيم عالمي قوي، وإذا ما توصل إلى أي اتفاقات ملموسة في القاهرة، فمن المؤكد أن ذلك سيدعم موقفه، وفي هذا الصدد، فإن إحراز أي تقدم في صفقة الأسلحة التي تبلغ قيمتها 3.5 مليار دولار هو أمر يتم التطلع اليه.
ورأى التقرير انه عندما أوقفت واشنطن المساعدات العسكرية، أشارت إلى سحب دعمها كحليف، وطالما يستمر تطبيق هذه السياسة، سيبقى الباب مفتوحاً أمام بوتين وأطراف أخرى لكسب الصداقات مع مصر على حساب المصالح الأمريكية.