النهار
جريدة النهار المصرية

أهم الأخبار

بيع ملابس عسكرية على أرصفة ميدان رمسيس

-

البدلة الميرى بـ75 جنيهًا.. و«الأفرول» بـ50 جنيهًا.. و«الزنط» بـ35 جنيهًا.. و«القايش» بـ30 جنيهًا الباعة يعملون دون ترخيص الحصول على الملابس من مجندين هاربين و«بواقى مصانع المهمات العسكرية»

دماء الجنود تسيل فى سيناء، أفراد ينتحلون صفة الجنود ويتجولون فى أنحاء البلاد، لا نعرفهم إلا من أخبار الضبط الواردة عبر مديريات الأمن، مئات الأطنان من الملابس العسكرية تخص الجيش والشرطة تعلن الجهات المسئولة عن ضبطها كل يوم، سواء تلك المهربة عبر الحدود البرية أو التى تأتى لمصر وسط بضائع أخرى فى الموانئ المختلفة.
هذا هو الواقع المذاع عبر وسائل الإعلام المختلفة، إلا أن هناك واقعا لا يزال مستمرا، إنه بيع الملابس العسكرية على الأرصفة، مما يمثل أمرا خطيرا فى ظل موجة الإرهاب الخطيرة التى تضرب البلاد.
ظاهرة بيع الملابس العسكرية فى الشارع، وإن كانت موجودة منذ سنوات إلا أنها أصبحت بفعل المستجدات تمثل خطورة، فالجنود ليسوا وحدهم من يقبل على شرائها، بل يشاركهم فى ذلك بعض الضباط، فإن كنت ممن يؤدون الخدمة العسكرية فقد تحتاج إلى تسليم «المخلة» فى نهاية مدة الخدمة الوطنية، فتبدأ رحلة البحث عما ينقصك من «مهمات» من خلال محال متخصصة فى بيع هذا المنتج، التى تطلب منك «كارنيه القوات المسلحة أو الشرطة» عند تعاملك معها، لكن ما سوف تكتشفه خلال هذا التحقيق أن بعض الباعة الجائلين يقوم ببيع «المهمات العسكرية والشرطية» دون تصريح، ودون أن يطلب منك البائع البطاقة للتعرف على هويتك العسكرية، وهى الأكثر رواجًا أكثر من مثيلتها المرخصة أمنيا.
«البوابة» خاضت تجربة التعرف على تجارة «الزى الميرى»، والبداية كانت فى ميدان رمسيس، حيث السؤال عن مكان الباعة: «فيه حد بيبيع ملابس ميرى؟».. كان الرد: «فيه كتير الناحية التانية».. قالها أحد الباعة المنتشرين بالميدان، مشيرا بإصبعه إلى الطريق المؤدى إلى ميدان أحمد حلمى، حيث تبدأ الملابس العسكرية فى الظهور بـ«البطاطين الميرى»، و«القايش»، و«الحزام»، و«الطواقى»، والكاب بأنواعه «المموه» و«الزيتى» على حواف الرصيف، حيث يقوم الباعة برص المستلزمات العسكرية على مسند خشبى بجوار «فراشة» أخرى لبيع المستلزمات المنزلية ومستلزمات الأطفال.
توجهنا إلى أحد البائعين ممن يفرش البطاطين والبيادات، والحذاء الميرى، وبعد وصلة الترحيب المعتادة فى هذه الظروف قال: «طلبك إيه يا أستاذ؟».. أخبرناه باحتياجنا إلى «أفرول».
«بدلة عسكرية؟».. «طلبك موجود».. نادى بعدها على أحد الباعة «أحمد» الذى يقف على بُعد عدة أمتار من فراشته: «شوف الباشا عايز إيه».
طلبنا بدلة عسكرية «مموهة»، فخيّرنا بين البدلة الزراعى والصحراوى: «عايز كام واحدة».. قالها بعد أن أخبرناه احتياجنا إلى الزى القديم «الزراعى»، لنتبعها بالسؤال عن الأسعار قبل الشراء.
عرض لنا قائمة أسعار منتجاته: «الأفرول بـ50 جنيها، والبيادة بـ٥٠ جنيها، والكاوتش الأبيض بـ15 جنيها، والشبشب بـ15 جنيها، والبيادة النُّص بـ35 جنيها، والبطانية بـ25 جنيها، والتكيسة بالنفتالين بـ20 جنيها، والزنط بـ35 جنيها، والبيجامات بـ25 جنيها، والطاقية بـ10 جنيهات، والقايش بـ30 جنيهًا».
تركناه بعد أن وعدناه بالعودة مرة أخرى إليه بعد إجراء جولة لشراء بعض المستلزمات الأخرى.. كان البائع على دراية كاملة بملابس الجيش من حيث مهمات الأسلحة المختلفة «القوات الجوية، والبحرية، والدفاع الجوى، والجيوش الميدانية»، كما أن الفصال معهم مسموح به، فقد تحصل على خصم ما يقرب من 5 إلى 25 جنيها على مجمل المشتريات.
بعد عدة أمتار ينادى أحدهم علينا، لنقف أمام شاب عشرينى بجوار «فراشته» التى وضع عليها «القايش» و«الطواقى»، بالإضافة إلى إكسسوارات منزلية أخرى: «عاملين 130 جنيه، وطلبك هيكون موجود فى دقيقة».. قالها بعد أن طلبنا منه معرفة سعر البيادة والأفرول والكاوتش الأبيض معا.
بجوار أحد المساجد ببداية سور موقف أحمد حلمى، رافقنا ثالث بعد أن عرض أسعارا أرخص من سابقيه، وطلب منا الانتظار مع مجموعة شباب آخرين، لنكتشف دخول البائع خلف ستارة بجوار الجامع، فيغيب لمدة ثوان، ليحضر بعدها «البدلة الميرى» المطلوبة داخل كيس أسود، لنتركه بعدها بحجة أن الخامة رديئة ولا تستحق مقابل السعر المتفق عليه.
على حسين يعمل بأحد محال الحلويات بشبرا، قال إن أخاه سينهى خدمته العسكرية قريبا، وإنه كان يحتاج إلى بدلة مموهة وأخرى زيتى للتسليم، وبحكم عمله القريب من هؤلاء الباعة قرر شراءها منهم، وكما قال: «سعر الأفرول المموه والزيتى 80 جنيها».. أخبرناه أن هؤلاء الباعة يمثلون خطرا كبيرا نتيجة جهلهم بمخاطر ما يفعلونه، ليرد قائلا «دول غلابة وبيسترزقوا، ومافيش حد بيقطع أكل عيشه بإيده».
اتجهنا بعدها إلى المحال المجاورة لسور الموقف، التى تعرض كميات كبيرة من البطاطين الميرى، فسألنا أحدهم عن إمكانية وجود «البدلة الميرى» فرد: «بـ75 جنيه، وجديدة، غير الحاجات اللى بتتباع مستعملة».. ذهبنا إلى آخر: «إحنا مش بنبيع أفرولات ولا غيره، إحنا أكل عيشنا من البطاطين، أما الأفرولات ممكن تسأل فوق ع الكوبرى مش هنا» قالها صاحب المحل ليدير وجهه ويتركنا.
وبالرجوع إلى محيط ميدان رمسيس لاحظنا وجود «لافتة» كتب عليها «يرجى إبراز تحقيق الشخصية أو خطاب الوحدة عند شرائك أى منتج من منتجات المحل» بأحد الشوارع الجانبية، فسألنا البائع عن «البدلة الميرى»، ليؤكد لنا أنه لا يبيع الأفرولات، وأن كل ما يوجد لديه إكسسوارات شبيهة للميرى، أما طلبنا فقد نجده فى «الجمعية الاستهلاكية الخاصة بالقوات المسلحة» بالعباسية، ثم طلب منا إثبات الهوية العسكرية بعد أن أبلغناه بحاجتنا إلى شراء «تيشيرت مموه»، ويتبع كلامه «انت مش عسكرى وطلبك للحاجة دى ممكن يضرك»، ليطلب منا بعدها الخروج.
فى أشهر محال بيع الزى العسكرى بشارع «كلوت بك» التقينا صاحبه، الذى رفض ذكر اسمه، حيث أكد أن لديه تعليمات وأوامر من التحريات والمخابرات بعد ثورة يناير مباشرة بعدم التصوير بالمحل، وعدم التعامل مع أشخاص لا يحملون الهوية العسكرية، وأنه يعمل بتلك المهنة «أبا عن جد».
يقول: يتعامل به هؤلاء الباعة من «البدلة الميرى» وخلافه يحصلون عليها من عساكر ومجندين فى الغالب يكونون هاربين فى أول إجازة، كما أن بعض المستلزمات التى يبيعونها مثل «الطواقى» يحصلون عليها من بواقى «قصاقيص» مصانع المهمات العسكرية.