جريدة النهار المصرية

رئيس التحرير

اسامة شرشر يكتب : دولة المواطن.. اختارت الرئيس

-

أعجبتنى وتوقفت عندها كثيرا كلمات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما قال اثناء تنصيب أمير منطقة الرياض «احثك على المواطن.. اول كل شيء وقبل كل شيء، المواطن اهم عليك منى أنا، لأن حق المواطن حق لى أنا، واريد منك الصبر والتأنى والتحرى عن كل خبر يجيئك تأكد منه «.

هذه الرسالة الخطيرة هى فى مضمونها ومعناها هى رسالة إلى اى حاكم يتولى امور حكم شعبه وبلده أن تكون دولة المواطن عنده اهم من مافيا الاحتكار والفاسدين والمفسدين الذين ينهبون خيرات الأوطان والمواطنين.

ولنا ولكم فى القصاص.. يا اولى الالباب عبرة فيما جرى ويجرى فى قاهرة المعز، ولحكمة ما اراد الله أن يجعل القصاص للرؤساء فى حياتهم قبل حسابهم فى اخرتهم، فما نشاهده من احكام على مبارك فى حياته يعطى دلالة خطيرة من السماء بإطالة عمره حتى يشعر بما كان يشعر به المواطن المصرى من ذل وقهر وافتقاد إلى الحد الأدنى من الحياة الكريمة لإنسان كرمه الله على سائر المخلوقات فكان مصير المواطن هو الزج به فى العشوائيات، وارتفاع الأسعار وتقييد حريته والنيل من كرامته، فالمواطنة كانت لفظا يقدم إلى الغرب، أما الحصار والخوف والسجن كان هو مفهوم هذا النظام الذى احتقر المواطن والوطن من خلال نخب فاسدة ورموز مات فيها الضمير فاستولت على كل مقدرات هذا المواطن على مدار عقود طويلة جعلته ينفجر انفجارا هز اركان الدنيا كلها ليبحث عن حريته وانسانيته وكرامته، فسقوط حاجز الخوف لدى المواطن المصرى يعادل سقوط خط بارليف لدى خير اجناد الأرض من القوات المسلحة الذين حطموا اسطورة اسرائيل إلى يومنا هذا.

فلذلك دولة المواطن حطمت اسطورة مبارك ورجاله الذين سقطوا فى مستنقع الفساد ونهب حقوق المواطنين.

والطامة الكبرى أن هذا النظام ابتلانا بنظام اخطر على العباد والبلاد من نظام مبارك، فجاء مرشد الاخوان ورئيسه المعزول محمد مرسى الذى اراد بيع الوطن للامريكان واليهود وكل من يدفع مقابل بقائه فى الحكم، فدولة المواطن والمواطنة كانت شعاراتهم، ولكن الاقصاء والقتل والخيانة كانت افكارهم وافعالهم ترجمة لمقولة مرشدهم وإمامهم سيد قطب ما الوطن إلا حفنة من التراب العفن « لا تساوى شيئا».

فلذلك سقطوا سقوطا مدويا لأنهم جاءوا إلى حكم مصر فى لحظة فارقة واستثنائية من الزمان فسقطوا فى 30 يونيو عندما خرج الشعب ليعلن فى كل محافظات مصر «يسقط يسقط حكم المرشد» لأنهم لم يدركوا ولم يفهموا أن دولة المواطن المصرى هى التى تحدد وتختار الحاكم، إما أن يكون عادلا ويشعر به المواطنون ويدعمونه ويأيدونه، وإما أن يكون فاشيا دكتاتورا يوظف الدين لخدمة مصالح الاهل والعشيرة، فيسقط فى مستنقع الخيانة والرذيلة والعنف ويكون خارج التاريخ مثلما حدث مع محمد مرسى ومرشده وتابعه، فالأمم تحيا وتستمد بقاءها من وعى شعوبها لأن الأوطان لا تباع ولا تشترى، أما الحكام ففى مزبلة التاريخ والاجيال القادمة.

كانت تلك بداية للمشهد الذى نمر به الآن خلال ساعات ستحدد فيه مصر من يحكمها خلال 4 سنوات قادمة هى اهم فترة فى تاريخ مصر، فإما ان نكون او لا نكون، فالمقاطعة وإبطال الصوت تعادل قنبلة يضعها الارهابيون فى اماكن متفرقة لترهيب وتخويف المواطنين من عدم المشاركة فى الانتخابات.

فدولة المواطن المصرى ستحدد بوصلة وخارطة المستقبل لدى هذا الوطن فى المرحلة القادمة، فإما أن نستعيد الامان الحقيقى فى الشارع المصرى وتدور عجلة الانتاج ويعود السياح من كل مشارق الأرض ومغاربها إلى مصر ليشعروا بالأمن والأمان الحقيقى الذى فقدناه خلال 3 سنوات عجاف لم تمر على المصريين احفاد الفراعنة منذ اكثر من 7 الاف سنة، فمصر كانت دائما هى واحة للأمان والتسامح واحترام الاخر والتعايش مع كل ديانات الدنيا، فلم يكن فيها قتل او ارهاب او ترهيب او ذبح للديانات الاخرى، كل هذه المفردات المستجدات كانت قادمة من اناس فقدوا انتماءهم للوطن وباعوا ضمائرهم واخلاقهم وقيمهم للامريكان مقابل أن ترتبك مصر وينتزع منها الأمان الذى اشتهرت به على مر العصور والأزمان.

لكن قضيتنا أننا نقتل شعبنا ونخترق وطننا بأياد وعقول مصرية تعمل لحساب دول واجهزة استخبارات اجنبية، والطامة الكبرى انهم فرع من فروع التنظيم الدولى للاخوان الذى يريد ان يقسم مصر وعالمها العربى إلى امارات ودويلات حتى يحقق الحلم المستحيل وهو الخلافة الإسلامية وهم لا يدركون معنى الخلافة او الإسلام.

فدولة المواطن التى تختار رئيس مصر القادم هى التى خرجت خلال الـ48 ساعة الماضية وكأنها فى مهمة انتحارية لصالح الوطن تقول للعالم كله إن المصريين الذين ابهروا واذهلوا العالم خلال 3 ثورات فى «25 يناير و30 يونيو و26 يوليو» هم سيقدمون رسالة قوية وفاعلة وفى الصميم للداخل قبل الخارج إن مصر أكبر مما يخطط لسقوطها من انقسامات أو حروب اهلية وأن شعبها انقلب على الإخوان من خلال انتفاضة شعبية باركتها السماء ودعمها اصوات الشرفاء وايدها ابناء مصر فى كل محافظاتها، فدولة المواطن استطاعت أن ترسل رسائل قوية للخارج ان المصريين لهم اجنحة فى كل مكان لأنهم يعشقون تراب هذا الوطن ولن يسمحوا على الاطلاق بالعبث او الاغتراب او التفكير لهدم مكتسبات ارادة دولة المواطن المصرى الذى سيختار رئيسا يشعرون معه وبه بأنهم اصحاب القرار وان الحريات وحقوق المواطنين ليست منحة ولكنها حقوق المواطنة من عيش كريم وفرصة عمل حقيقية ومسكن ملائم، هكذا تكون العدالة الناجزة التى يحددها المواطن قبل الحاكم.

فبعض الحكام يكبر عليه منصب الرئيس لانه صغير فى ذاته وبعض الرؤساء يصغر المنصب عليه لانه كبير فى ذاته وعطاؤه وولاؤه لشعبه، لأن بوصلة القرارات تحددها دولة وإرادة المواطن وليست إرادة البيت الابيض والعارف بالله السيد اوباما والسيدة آشتون التى تعتبر بكل المقاييس «كهنوت سياسى» يخبئ بداخله انحيازها إلى الاخوان وبعض النشطاء الوهميين وبعض جمعيات حقوق الانسان والحيوان الذين توهموا سقوط دولة المواطن والوطن، ولكن هيهات.. سقطوا هم فى مستنقع الخضوع والخنوع والتخابر والخيانة بكل ابعادها.

فدولة المواطن التى كان عليها أن تخرج وتحشد وتؤذن فى ابنائها ونسائها وشبابها واطفالها ان يهبوا ويخرجوا ويدلوا بأصواتهم فى الصناديق فعلت وخرجوا، لأنها معركة الكرامة والبقاء والإرادة، فإما ان تعود دولة المواطن لترفرف بمبادئها وافكارها واهدافها الوطنية النبيلة على كل بلدان العالم العربى لتؤكد أنهم لا يخافون ولا يرهبون من الاخوان والامريكان لان دولة المارد المصرى ستعود بقوة وبتأثير جغرافى إلى عالمها العربى والافريقى والاقليمى والدولى بمعطيات جديدة ومفاهيم عملية ان الشعب المصرى استطاع ان يحقق المعادلة الصعبة فى ان دولة المواطن أو دولة الصناديق الجديدة حشدت الملايين والملايين لتقول للعالم «مصر هنا» ومن هنا يعود صوت العرب وصوت القاهرة وصوت التحرر الافريقى، الذين طالما حاولوا ان يضعوا اسافين ومعوقات ضد عودة مصر إلى عالمها الطبيعى الذى يعتبر امتداد جغرافياً وسياسياً وتاريخياً، فافريقيا هى الرئة المصرية الجديدة التى ستنافس حيتان العالم بقوة، لانهم يريدون من مصر وعالمها العربى والافريقى ان يظلوا فى خلافات وانقسامات وحروب حتى لا تكون هناك حقوق ومكاسب حقيقية لدولة المواطن الذى دفع من دمه فاتورة التضحية لتحقيق حلمه الواقعى بأن انتخاب رئيس مصر القادم سيزلزل العالم كله لانه سيكون اختيارا ممزوجا بالحشود والدماء والثورات والمواطنة الحقيقية التى تحترم حقوق البشر.

فدولة المواطن إما أن تكون أو لا تكون بعد الـ48 ساعة الحاسمة التى خرج فيها المواطنون، فانتخبوا من أرادوا، وأكدوا أنهم أمام العالم كله رقم صعب، ومهما دفعنا من مليارات الدولارات للآلات الإعلامية فى كل عواصم الدنيا فلن نستطيع أن نعطى رسالة قوية كتلك التى أعطاها هذا الحشد المصرى بالملايين ليقولوا للجميع هنا «دولة المواطن» هنا «قاهرة المعز».