المسرح التليفزيونى يتحول إلى سبوبة

أطلقت عدة قنوات فضائية منافسة شرسة فيما بينها لتقديم ما أطلقوا عليه أعمالاً مسرحية، بينما لا تتعدى كونها «سبوبة» للغنيمة من ثراء الفضائيات الفاحش، على جثة المسرح الحقيقي، كما كان مسرح القطاع الخاص يفعل في تسعينيات القرن الماضي، إلى أن اندثر تماما وبقى المسرح الجاد يدفع الثمن وصناعه يعانون من تأثير ما حدث لهم بعد أن فقد المسرح نفسه ثقة الجمهور وأوشك على الانهيار.
الآن ظهرت الموجة الثانية من اغتيال المسرح المصري على أيدي أساتذة السبابيب وصائدى الفرص سواء كان عن قصد أو عن غير قصد وسواء بسوء أو حسن نية، فإنه من المؤكد أن ما يحدث لا يصب في مصلحة المسرح المصري، وهناك الكثير من الملاحظات على ما يقوم به المسرحيون أنفسهم قبل غيرهم، الأمر الذي دعانا من خلال هذا التحقيق الصحفي لأن نلقي الضوء على السلبيات التي يراها المسرحيون أنفسهم خلال هذه التجربة..
من جانبه قال الناقد محمد الروبي: بداية، علميا، لا يوجد ما يسمى ( مسرح التليفزيون) فالمسرح وسيط، والتليفزيون وسيط مختلف، طبعا يمكن نقل مسرحية من على خشبة المسرح عبر كاميرات التليفزيون لتسجيلها أولا، ولعرضها على المشاهدين فى البيوت كحل لعدم قدرتهم على الذهاب إلى المسرح.
وأضاف الروبي: ما نراه الآن منتشرا على الفضائيات، لا يمت للمسرح بصلة، لكنه تحايل (عبر بعض عناصر المسرح) لصناعة برنامج تليفزيوني ساذج يستهدف أولا إضحاك المشاهد، وثانيا: تشغيل ممثلين تعطلوا نتيجة تعطل المسرح الحقيقى، ولأن هذا الأمر لا يتمتع بصدق حقيقي، فمن الطبيعي أن يبوء بفشل ذريع وسريع، وهو ما بدأنا نلمسه بالفعل، فلا أحد من المشاهدين بات مهتما بمشاهدة هذا الذى يسمونه زورا مسرحيا.
وأكمل الروبي: أخطر ما في هذه البرامج الساذجة هو تكريس فهم مغلوط لدى المشاهد عما يكون عليه المسرح، وهو ما سبق أن فعلته في السبعينيات مافيا مسرح ( الفيديو ) حين كانوا يلملمون مجموعة من المضحكاتية على خشبة، مسرح، ويصورون المسرحية المصرية في يوم واحد، ثم يشرعون فى منتجتها لتعليبها بعد ذلك فى أشرطة فيديو يبيعونها في المحلات وعلى الأرصفة. وكان من أثرها الفادح أن انتشر وسط الناس أن المسرح يعنى فقط إلقاء مجموعة من النكات وسط كثير من الحركات الخليعة والرقصات الأكثر خلاعة، وتصورى أن هذه البرامج التى نشاهدها مؤخرا، ستنتهى كسابقتها بعد أن تستنفد غرضها سواء كان جمع مزيد من الأموال الحرام أو كان إفساد معنى المسرح.
كما قال الدكتور محمد أمين عبد الصمد: هناك العديد من التجارب التي تخوضها بعض الفضائيات لإنتاج عروض مسرحية تبثها في توقيتات برامجها الكوميدية أو الترفيهية وهذه البرامج تفتقد خاصية أساسية في المسرح وهي أنه حياة موازية وحضور، ولا يتحقق إلا بوجود المؤدي والمتلقي في مكان واحد، وبتلقي حي مباشر للأداء، ومن ناحية أخرى فإن ترسيخ فكرة أن المسرح «كوميديا» وعروض ضحلة، يكمل ما بدأه التليفزيون المصري من ترسيخ فكرة أن المسرح عرض ضاحك، وضحك للضحك فقط.
وأضاف عبد الصمد: من الأسماء المطروحة في هذه المشروعات يتضح أن تكلفة استقدامها وتكليفها بهذه الأعمال كبيرة، وهو ما يسمح بتقديم موسم مسرحي موازٍ للموسم المسرحي للمؤسسات الرسمية، فلماذا لا يتم تطوير الفكرة بدلاً من ملء ساعات بالفكاهة، وأنا هنا أتناول فكرة التجربة ولا أقيم ما قدمته.
أما الناقد أحمد عبد الرازق أبو العلا فقال: أحب أن أوضح أن محاولات البعض لعودة مسرح التليفزيون - بعد سنوات طويلة من الغياب - تعد أمرا حيويا، وذلك بسبب قوة تأثير وسحر الشاشة الصغيرة، التي تستطيع جذب المشاهد وهو جالس في بيته، لكن تلك العودة عليها أن تحقق شروطا منها :
أولا: ألا يكرر نفس الأخطاء التي وقع فيها مسرح التليفزيون حين أنشئ في الستينيات، واستمر حتى السبعينيات، وقدم عروضا ترفيهية، ساذجة، تحت زعم الكوميديا، وأصبحت مفرزة لظهور المسرح التجاري، الذي كان يقدم عروضا سياحية، مليئة بالبهارات الجنسية، وغيرها لجذب المشاهد..ولأنه كائن أو نبات شيطاني لم يستمر وسقط سقوطا ذريعا برغم استمراره لسنوات طويلة.
وأضاف أبو العلا: ثانيا أن يضع نصب عينيه أن هناك نصوصا لكتاب يملكون القدرة علي الكتابة للمسرح، ومخرجين يعلمون ما هو المسرح، وعليهم سد الفراغ الذي يعيشه المسرح الآن، بتقديم عروض جادة، وفي نفس الوقت تكون قادرة علي جذب المشاهد.

