جريدة النهار المصرية

حوارات

خطايا أحمد أبو الغيط وزير الخريف الدبلوماسى

اسامة شرشر -

لم تشهد الدبلوماسية المصرية طوال تاريخها العريق والعتيق دخول مرحلة خريف دبلوماسى مثل تلك التى شهدتها فى عهد الوزير أحمد ابو الغيط فهو الوزير الذى كان بمثابة انتكاسة للخارجية المصرية لعدم قدرته على إدارة أى أزمة منذ أن  تولى الوزارة فى يوليو من عام 2004 خلفاً لأحمد ماهر  وحتى رحيله فى مارس 2011  بعد ثورة 25 يناير بأيام قليلة.

حيث توصف تصريحاته خلال توليه الوزارة بأنها تصريحات مثيرة وغير مألوفة اقرب لاسلوب الجزارين منها إلى اسلوب الدبلوماسيين.

فكما يرصد  محمد عبد الهادى علام، رئيس تحرير الأهرام، والذى عمل لأكثر من ربع قرن محرراً دبلوماسياً فى كتابة «خريف الدبلوماسية المصرية: نحو مراجعة واجبة»، فإن وزارة الخارجية فى عهد احمد ابو الغيط تراجع دورها وتسببت تصريحات ومواقف ابو الغيط التى لا علاقة لها بالسياسة أو الدبلوماسية فى نكبات حقيقية تدفع مصر ثمنها حتى الآن وساد فيها الارتباك وتجلت مظاهر هذا الارتباك فى عهد أبو الغيط فى مناسبات عديدة، منها على سبيل المثال ما يلى :-

فى يناير 2007م أصدرت وزارة الخارجية بيانا نفت فيه تصريحات لمصدر دبلوماسى نشرته «الأهرام» ولم تحدد فيه جنسية المصدر، اتهم إيران بالتورط فى اغتيال الشهيد إيهاب الشريف سفير مصر ببغداد فى يوليو 2005م برغم أن التصريح غير منسوب لمصدر مصري، ثم عادت الوزارة وأصدرت بيانا ثانيا سحبت فيه البيان الأول.

فى فبراير 2007م أعلن وزير الخارجية فى تعقيبه على فيلم يسجيلى إسرائيلى بعنوان «روح شاكيد» بثه التليفزيون الحكومى حول إعدام الأسرى المصريين خلال عدوان 1967م، أن الجنود المصريين استشهدوا خلال العمليات الحربية فنسف القضية من أساسها برغم أن المعلومات الواردة فى الفيلم تستند إلى وثائق حربية وتشكل اعترافاً بالجريمة والاعتراف سيد الأدلة.

أم الرشراش

خلال نفس الشهر أعلن وزير الخارجية أن قرية «أم الرشراش» «نواة ميناء إيلات على خليج العقبة» التى احتلتها إسرائيل فى مارس 1949م بعد شهر من توقيع اتفاق «رودس» للهدنة مع مصر «أرض فلسطينية» فى وقت تشهد فيه مصر جدلا حول هويتها، وكان من الأحرى إعلان تشكيل لجنة وطنية لتحديد هويتها «حتى ولو انتهت إلى أنها أرض فلسطينية بالفعل» على الأقل استثمارا لهذا الجدل لا سيما أن الرئيس مبارك نفسه تحدث عام 1996م فى برنامج «صباح الخير يا مصر» بالتليفزيون المصرى عن أنه فاتح رئيس وزراء إسرائيل آنذاك شيمون بيريز فى ذلك وقال إنها «أرض مصرية»!!.. والمهم فى تصريح الوزير أنه جعل «أم الرشراش» ضمن حدود 1948م ما يعنى أنها بالتالى ليست فلسطينية بل إسرائيلية!.

فى يونيو 2007م أعلن وزير الخارجية عن وجود إيرانى فى غزة فى أعقاب انقلاب حماس على السلطة، وفى اليوم التالى تدخل الرئيس لضبط الإيقاع والانفعالات لنفى وجود إيرانى فى غزة.

فى أبريل 2008م وردا على اقتحام عناصر فلسطينية من حركة حماس الحدود أعلن وزير الخارجية أن مصر «ستقطع رجل» كل من يحاول اقتحام الحدود فى تصريح أبعد ما يكون عن الدبلوماسية، وفى وقت لم تصل فيه التصريحات حيال مقتل 42 شهيداً على الحدود برصاص إسرائيلى هذا المستوى من الحدة.

تراجعات مهينة

فى يناير 2008م أعلن أبو الغيط  إلغاء اجتماعات اللجنة السياسية للمشاركة المصرية الأوروبية احتجاجاً على تقرير للبرلمان الأوروبى بشأن حالة حقوق الإنسان فى مصر غير مكتف برد فعل مجلس الشعب «برلمان يرد على برلمان» بمقاطعة الاجتماعات البرلمانية الأورو - متوسطية، وذلك على الرغم من أن حل الخلافات بالوسائل السلمية وعبر الحوار - وليس المقاطعة - مبدأ ثابت من مبادئ السياسة الخارجية المصرية  قبل أبو الغيط ثم ما لبثت وزارة الخارجية ومجلس الشعب أن تراجعا عن المقاطعة وشارك رئيس المجلس فى الاجتماعات البرلمانية فى أثينا فى شهر مارس، وشارك وزير الخارجية فى اجتماعات المشاركة المصرية الأوروبية ببروكسيل فى شهر أبريل من نفس العام.

فى يوليو 2008م احتجت وزارة الخارجية على فيلم تسجيلى تافه عن الرئيس الراحل أنور السادات بعنوان «إعدام فرعون» برغم أنه من إنتاج جمعية غير حكومية، وبرغم إدانة وزير الثقافة الإيرانى «الحكومة» للفيلم وتم تضخيم المسألة فى رد فعل غير مبرر أو مقنع، وألغى رئيس اتحاد كرة القدم مباراة دولية ودية بين المنتخبين المصرى والإيرانى فى نفس اليوم الذى دعت فيه إدارة الدبلوماسية العامة بوزارة الخارجية الأمريكية المنتخب الإيرانى لكرة السلة للعب مباريات ودية فى الولايات المتحدة مع فرق أمريكية .

إنقاذ ليفنى

قبل يومين من الهجوم الجوى (25/12/2008) وصلت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبى ليفنى إلى القاهرة، وفى أعقاب مباحثاتها مع الرئيس المصرى حول الوضع فى غزة لم تتوان لحظة عن توجيه التهديدات من قلب مصر وعلى مرأى من وزير الخارجية ومسمع منه دون أن يرتد له طرف أو يرد عليها ، قد سجلت الكاميرات تلك  اللقطة الشهيرة لأحمد أبو الغيط وزير الخارجية  السابق وهو يمسك بيد تسيبى ليفنى عقب المؤتمر الصحفى الذى جمعهما، وقيل وقتها إن ليفنى أعلنت الحرب على غزة من قلب قصر مصر، .. الوزير يومها أمسك بيدها أثناء خروجهما من القصر فى مشهد أثار انتقادات واسعة له . وهو ما يرد عليه أبو الغيط فى مذكراته شهادتي: بالقول أعلنت فى المؤتمر الصحفى أن مصر ضد التصعيد وترفض كل أعمال العنف من الجانبين. وبعد المؤتمر الصحفي، أوشكت ليفنى على السقوط على سلالم القصر، فأمسكت بيدها حتى لا تتزحلق على الرخام كموقف تلقائي.. ثم فوجئت فى اليوم التالى بصورتى وأنا ممسك بها فى الصحف.

ويضيف أن زوجته حذرته ساخطة من كون تلك الصورة سوف تثير الناس عليه و لكنه رد عليها - بشهامة الفرسان الكبار  - كما يقول … وهل كنت أتركها تسقط؟! وترد هى بلسان المرأة المصرية التى نعرفها : (كنت تركتها تقع؟!). .

ملف النيل

لا توجد كلمة سوى الفشل الذريع للتعبير عن سوء الإدارة المصرية لملف مياه النيل فى عهد ابو الغيط  ، وتتجسد قمة الفشل فى تعامل مصر مع اتفاقية «عنتيبى» التى وقعتها 8 من دول حوض النيل حتى الآن ولم يتبق من دول الحوض التى لم توقع سوى مصر والسودان واريتريا ، ويرجع الفشل بسبب اعتماد مصر على بعض الدبلوماسيين الذين يتسمون بالعدوانية والعجرفة تجاه دول الحوض لتتصاعد الأزمة ونصل إلى مشكلة سد النهضة والتى تسعى الدبلوماسية الحالية فى عهد نبيل فهمى لعلاجها بحكمة مع كافة اطرافها ودون ضجيج.

وزير مضطرب

قبيل اندلاعثورة 25 يناير كانت الشكوى من الترهل الدبلوماسى والأداء الهزيل لـ " أبو الغيط " تتزايد خاصة فيما يتعلق بمعاملة المصريين فى الخارج

فأحمد أبو الغيط هو وزير عرفت فى عهده الدبلوماسية المصرية أسوأ أيامها و أكثرها سوادا و نفاقا و خيانة لقضايا الأمة العربية و للمصالح المصرية نفسها.

فأبو الغيط  ظهر مضطرب الحديث حاد التصريحات أثناء ثورة 25 يناير بل مثيراً للاشمئزاز والسخرية حيث لم يكتف بتصريحاته العدائية لثورة الشباب ولم يكتف بسوء تقديره الذى ثبت فشله عندما قال إن مصر ليست تونس واصفا كل حديث عن ثورة مصر بأنها كلام فارغ لكنه تعدى ذلك إلى محاولة الاستعداء على المتظاهرين المصريين.

أما أطرف ما يمكن أن يقال عن أحمد أبو الغيط فهو أنه الوزير الذى ناصب «الفيسبوك» العداء رسميا من خلال برقية رسمية صادرة عن مكتبه تحذر الدبلوماسيين المصريين من الدخول على «فيسبوك».

شطط أبو الغيط

الغريب أن أحمد أبو الغيط الذى حاول بعد نجاح الثورة أن يصطنع لنفسه بطولات وهمية فى مقاومة شطط النظام هو ذاته الوزير الذى  أصدر أثناء الثورة مرسوما يهدد فيه الدبلوماسيين المصريين بالفصل من العمل لو ثبت ذهابهم لميدان التحرير.

فقبل السقوط حاول ابو الغيط الدفاع عن مبارك فى وجه تصريحات أوباما المتصاعدة حيث انفعل واصفا أوباما بأنه The boy وأبو الغيط لم يتورع عن فعل أى شيء فى محاولته إنقاذ النظام فى مصر بداية من البرقيات الغريبة التى دأب على إرسالها للدبلوماسيين المصريين بالخارج وحتى محاولة اختلاق مواقف وطنية مكذوبة تحاول جعل مبارك ونظامه فى كفة والخضوع لسياسات أمريكا (التى تطالب مبارك بالرحيل ) فى كفة أخرى محاولا بسذاجة تأليب المصريين على ثوار التحرير حيث أرسل أحمد أبو الغيط برقيات إلى سفراء مصر فى الخارج طالبا منهم التأكيد لدى الدول المرسلين إليها على أن كل شباب الثورة مجموعة من العملاء يتلقون دعما أجنبيا وأن الجهات الأمنية فى مصر استطاعت أن تضع يدها على أجهزة وأوراق تنظيمية تثبت ذلك.

وكان أوضح مثال على ذلك فى الوثيقة رقم 177 بتاريخ 3/2/2011، المرسلة إلى البعثات الدبلوماسية المصرية فى الخارج.

و ملف أحمد ابو الغيط أكبر من هذا بكثير، وهو حديث الدبلوماسيين فى الداخل والخارج عن المحسوبية فى توزيع الدبلوماسيين والتى كان يسلكها... ولكن ما فعله أحمد ابو الغيط فى الحركة الدبلوماسية الأخيرة فى عهده خلال ثورة 25 يناير  يعتبر بمثابة فضيحة كبرى حيث جعل الرئيس السابق يوقع على الحركة وهو فى حالة غيبوبة أثناء الإعداد لخطابه الأخير.

 قضايا بالجملة

وجاءت الحركة الدبلوماسية فضيحة بكل معانى الكلمة، فقد استطاع ابو الغيط زرع رجاله فى السفارات التى يريدها قبل تركه للوزارة وقد اقيمت ضده قضايا عديدة غريبة على وزارة الخارجية حتى اطلق البعض عليها فى عهده وزارة التقاضى لكثرة القضايا التى اقامها الدبلوماسيون ضده.

كل ذلك يجعلنا نقول إن الرجل على الإطلاق لم يكن يمارس مهامه كوزير للخارجية مدافعا عن المصريين فى الخارج ولا عارضا لوجهة نظر وطن لكنه كان ما يمكن تسميته يمارس (أكل عيش ) محاولاً الحفاظ على مقعده الذى يضمن له سطوة وحظوة ودخلا  جيدا.