النهار
جريدة النهار المصرية

مقالات

نوح

حنان شومان
-

قبل أن أخط كلمة في هذا المقال سأبدأ بسؤال وعليك أيها القارئ العزيز أن تجيب عنه ثم تكون البداية، أما السؤال فهو هل سيدنا نوح النبي المختار من رب العالمين يخص أهل ديانة بعينها، أم أنه ملك لكل مؤمن بوجود الله؟ أظن أن الإجابة أنه نبي يخص البشرية المؤمنة جميعاً، إذاً لماذا كل هذه الضجة في بعض دول العالم الإسلامي العربي بالتحديد ضد هذا الفيلم، وكأن سيدنا نوح -عليه السلام- عنه يخص المسلمين فقط؟ فقد منعت بعض الدول العربية عرض الفيلم وبعض الدول الأخرى مازالت في جدل حول عرضه، حتى الدول الإسلامية التي سمحت بعرضه كتركيا رفع فيها محام قضية لمنع عرض الفيلم، وذيلها بإمضاء «حفيد من أجيال النبي نوح»، وكأنه هو يمثل الأحفاد دون سواه، رغم أننا كلنا أحفاد نوح، وقد أعلن الأزهر رأيه برفض عرض الفيلم، ومع كامل احترامي وتقديري لعلماء الأزهر الذين لا أستطيع أن أطاولهم علماً في الدين، ولكن أستطيع أن أناقشهم في منطق الرفض الذي لا أظن أنه يخضع لأوامر أو نواه إلهية.
ولكن لنتعرف أولاً على الفيلم الذي خلق هذا الجدل، فهو صناعة هوليوودية أنتجته شركة «بارماونت» الشهيرة، بطولة راسل كرو وأنطوني هوبكنز وإيما واطسون، وكانت الشركة المنتجة قد نشرت تصريحاً قبل عرضه تقول فيه إن الفيلم مستوحى من قصة النبي نوح، وإنهم يؤمنون بالمعاني والقيم التي يبثها الفيلم، أما مخرج الفيلم وكاتب السيناريو دارن أرونوفسكي فقد صرح بأنه صنع فيلمه للمؤمن وغير المؤمن، فهو لا يعرف الجمهور ولكنه تمنى أن غير المؤمن يشاهده عله يؤمن.
وللحق، أن الرفض لم يكن من المسلمين فقط، فبعض المسيحيين الغربيين أيضاً اعترضوا على الفيلم وهاجموه، فهو كما قالوا إن كاتب السيناريو والمخرج حصل على حقوق قصة نوح وتصرف فيها بشكل لا يستطيعه مع قصة هاري بوتر مثلاً!
الإشكالية الحقيقية أننا نتحدث عن مجرد فيلم سينمائي، أي نتحدث عن شيء يشاهده الناس باتفاق مسبق مع صُنَّاعه، بأن ما يشاهدونه هو «كده وكده» أي تمثيل، وهو قد يتشابه مع الواقع أو التاريخ لكنه ليس واقعا ولا تاريخا، ورُبَّ قائل بأن الواقع والتاريخ من الممكن التساهل معهما، ولكن كلام الله وحكايات أنبيائه ورسله كيف التساهل معها؟
ولك الحق في السؤال، ولي الحق في الإجابة بسؤال، لماذا قص علينا رب العالمين قصص الأولين، لتكون عبرة وعظة للآخرين، ولبشر سيأتون بعدهم ليتعلموا ويتعظوا مما حدث للمشركين بالله الواحد الأحد، فلم نُحرّم أن يساهم البعض بنشر هذه الحكايات كعظة وطرح لمعان سامية؟ ورُب قائل أيضاً يخرج علينا ليقول ولكن من أدرانا أن الذي سيتصدى لمثل هذه الأعمال لن يشوه أصحابها ورسالاتهم؟ وهنا أرد عليه بأن صناعة السينما متاحة للجميع، فلم لا تتجه كيانات كبيرة إسلامية بما تملك من أموال طائلة لإنتاج أفلام ترد بها على كل جاهل أو كافر أو متآمر على رسالات الله.
منذ سنوات قدم العربي السوري مصطفى العقاد فيلم الرسالة بنسختين عربية وإنجليزية، وكان فيلماً رائعاً عظيماً صور الإسلام وأهله الأوائل، وقدمهم في صورتهم الحقيقية غير مغلوطة، ولكن للأسف منعته كل الدول الإسلامية بحجة أنه سمح بظهور بعض الصحابة مثل سيدنا حمزة، وهناك من أفتى بعدم جواز ذلك، ومات صاحب الفيلم وهو حزين مكلوم على أهل دينه وعروبته، وفيلمه الذي قال إنه صنعه لوجه الله والإسلام الذي يؤمن به.
في عالم اليوم لم يعد المنع وسيلة حرب أو مواجهة، ولكن الكلمة تواجهها الكلمة، والفكرة تصدها فكرة، ولكن المنع وهمٌ يتصور أصحاب قراره أنه يحميهم وهو لا ولن يحميهم أو يحمي معتقداتهم، ولكنه فقط يجعلهم «طرشان عميان» دون غيرهم.
اسمحوا بعرض فيلم نوح وشاهدوه ثم انتقدوه واطرحوا الحقيقة في مواجهة الكذب، إن رأيتم فيه الكذب أو التجني، واحذروا فإن «هوليوود» تحضر لأربعة أفلام في هذا العام تعتمد على قصص دينية، وهي «الخروج من مصر»، وفيلم «آلهة وملوك»، وفيلم «قابيل وهابيل»، وفيلم «مريم-يسوع»، فماذا نحضر نحن العرب المسلمين أو حتى المسيحيين؟.. لا شيء غير المنع!