جريدة النهار المصرية

حوارات

السيسي المشير فى الطريق للقصر الجمهورى

اسامة شرشر -

لم يكن الأمر مفاجأة كبيرة أن يترشح الفريق السيسى للرئاسة لكنه ذهب للقرار برضا القوات المسلحة حاملاً أعلى رتبة عسكرية فى مصر « المشير «؛ حيث أعلنت الرئاسة المصرية ان الفريق اول عبد الفتاح السيسى قائد الجيش ورجل مصر القوى رقى الاثنين الماضى  الى رتبة مشير وهى اعلى رتبة فى الجيش المصرى فيما ناقش  المجلس الأعلى للقوات المسلحة ترشح وزير الدفاع المشير لانتخابات الرئاسة مع تزايد المطالب الشعبية بهذا الترشح التى برزت بقوة مع الاحتفال بالذكرى الثالثة لثورة يناير 2011 وحيث ينظر كثيرون للمشير السيسى بوصفه الأقدر على قيادة المرحلة المقبلة والأجدر بالتعامل مع الملف الأمنى والاقتصادى وهما الملفان اللذان سيشكلان محور برنامجه الانتخابى .. كيف يمضى المشير للقصر الرئاسى.. وما أهم العقبات فى طريقة ؟ هذه الأسئلة وغيرها نجيب عنها فى السطور التالية:

قبل أن يتخذ السيسى قرار ترشحه رسمياً .. سبقته الرئاسة بقرار بالغ الأهمية والدلالة حيث اصدر الرئيس المؤقت عدلى منصور قرارا جمهوريا بترقية  الفريق اول عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع والانتاج الحربي، لرتبة المشير».

ويأتى هذا القرار بعد يوم واحد من  الإعلان عن إجراء الانتخابات الرئاسية قبل التشريعية بخلاف ما كان مقررا فى خارطة الطريق التى وضعت بعيد عزل الرئيس محمد مرسى فى الثالث من يوليو الماضي.

ما بعد المشير

بعد هذه الترقية لرتبة المشير اجتمع  المجلس الأعلى للقوات المسلحة  وناقش طلب «جموع الشعب» بترشح وزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسى لانتخابات الرئاسة ليتم حسم الأمر الذى جرى بشأنه جدل واسع طوال الشهور التى تلت عزل مرسى والصدام مع الإخوان وتصاعد وتيرة الإرهاب فى ظل وضع اقتصادى مثير للقلق .

وفى ضوء هذه التطورات يعلن السيسى ترشحه لرئاسة مصر ليخوض  انتخابات من المتوقع أن يفوز بها بسهولة حيث لا يوجد حتى اللحظة من بإمكانه تحقيق شعبية كفيلة بمنافسته حتى رغم ما يتردد عن دعم إخوانى لرئيس الأركان السابق سامى عنان الذى لا يحظى بأى شعبية يمكن مقارنتها بشعبية السيسى .

لحظة حاسمة

ويمكن القول يقيناً ان الاستفتاء على الدستور والاقبال الكبير بنعم وبعد اقرار الدستور الجديد فى استفتاء يومى الرابع عشر والخامس عشر من يناير 2014  بات أمر ترشح السيسى واقعاً.. فبعد اقرار الدستور لا بد من اجراء انتخابات رئاسية وتشريعية لتطبيق خارطة الطريق التى وضعها الجيش المصرى والتى تستهدف تأسيس شرعية جديدة قائمة على صناديق الاقتراع. وكان من المفترض اجراء الانتخابات البرلمانية أولا بموجب خارطة الطريق.

لكن بعض الشخصيات السياسية  فضلاً عن المزاج الشعبى العام دعت للتعديل قائلة إن البلاد تحتاج زعيما منتخبا لتوجيه الحكومة فى وقت تعانى فيه أزمة اقتصادية وسياسية ولإقامة تحالف سياسى قبل الانتخابات التشريعية التى قد تسبب مزيدا من الانقسام.

التطورات التى جرت والتقارير التى توفرت بشأن فرص السيسى فى الفوز حسمت موقفه للترشح دفعة للرئاسة وهى مهمة ثقيلة فى لحظة حرجة من تاريخ مصر .

من الملاحظ فى تاريخ الجيس المصرى أن من رقى إلى رتبة مشير هم  عدد قليل من الضباط،  خاصة بعد جنرالات اكتوبر وقد حمل منهم رتبة المشير كل من أحمد اسماعيل وزير الدفاع فى حرب 73 ثم رئيس العمليات المشير الجمسى ثم أبوغزالة  ومنهم المشير محمد حسين طنطاوى الرئيس السابق للمجلس الاعلى للقوات المسلحة الذى تولى السلطة بالوكالة فى اعقاب الثورة الشعبية التى اطاحت بمبارك  فى مطلع 2011 وأخيراً المشير عبد الفتاح السيسى الذى سيترتب على ترشحه للرئاسة اختيار وزير دفاع جديد وسلسلة من الترقيات فى القيادات.

من هو السيسي؟

فى بضعة اشهر فقط نجح وزير الدفاع المصرى عبد الفتاح السيسي، الذى يقترب من قصر الرئاسة الآن بصورة كبيرة  فى كسب شعبية واسعة لا ينازعه فيها اى سياسى اخر منذ ثورة عام 2011 وبعد عزل مرسى وتحمله المواجهة الصعبة مع الإرهاب وميليشيات الإخوان .

وقد لاحظ الجميع هدوءه الدائم الذى رأى فيه المصريون دليلا على الثقة بالنفس، تختبئ خلف شخصية ضابط عنيد وشجاع  خاض من دون ان يهتز مواجهة دامية مع جماعة الاخوان المسلمين، الحركة السياسية التى ظلت لعقود طويلة الاكثر تنظيما فى البلاد والتى أوحت للجميع بأنها ان تركت السلطة ستنشر الفزع والرعب فى ربوع مصر وذلك على اثر عزل الرئيس المنتمى اليها محمد مرسى فى الثالث من يوليو الماضى حيث  لبى السيسى  بذلك «إرادة الشعب» بعد نزول ملايين المصريين الى الشوارع يطالبونه بالتدخل لإنهاء حكم الاخوان.

شجاعة وإقدام

لقد رأى المصريون فى استجابة الفريق السيسى لهم وقراره الإطاحة بمحمد مرسى عملاً شجاعاً ووطنياً وهذا هو السبب الرئيسى فى شعبيته  الجارفة.

وحتى  بعض منافسيه المحتملين على مقعد الرئاسة مثل حمدين صباحى يعترفون بأن «شعبيته جارفة» وبأنه صار «بطلا شعبيا» بعد التصدى لإرهاب الإخوان .

وخلافا للزعامات التقليدية، لم يكتسب السيسى هذه الشعبية معتمدا على الخطب الرنانة او اللهجة الحماسية وانما هو على العكس يتحدث دوما بصوت خفيض وبنبرة هادئة ويفضل اللهجة العامية البسيطة على العربية الفصحى.

فى أحاديثه الموجهة للمصريين يفضل السيسى مخاطبة عواطفهم ولا يمل من تكرار ان الجيش المصرى «ينفذ ما يأمر به الشعب».           

محطات فارقة

فى 26 يوليو، طلب  المشير عبد الفتاح السيسى من المصريين النزول الى الشوارع لإعطائه «تفويضا وأمرا لمواجهة الارهاب المحتمل».

وله عبارة شهيرة قالها قبل شهور من عزل مرسى ومازال يرددها فى مناسبات عدة: «عندما أردتم (أنتم المصريين) التغيير، غيرتم»، وفى مناسبة اخرى قال متوجها الى الشعب المصرى «انتم نور عيوننا».

ومن الملاحظ أن صوره الى جوار صورة جمال عبد الناصر تنتشر فى التظاهرات وعلى واجهات المحلات. وهو نفسه قال فى حوار لم يكن مخصصا للنشر ولكن تم تسريبه انه «يتمنى» ان يكون مثل عبد الناصر.

غير ان قيادات عسكرية مقربة منه تؤكد انه «لا يريد استنساخ تجربة عبد الناصر وسياساته» وانما يأمل ان «يحقق العدالة الاجتماعية التى سعى اليها» الرئيس المصرى الراحل.

وفى لقاء مع شخصيات عامة وفنانين عقد أخيرا رد السيسى على من يطالبونه بالترشح للرئاسة قائلا «هل أنتم مستعدون لاقتسام اللقمة (الخبز)» مع من لا يملك قوته و»هل ستستيقظون مبكرا مثل رجال الجيش لتبدأوا العمل فى الخامسة صباحا؟» فى اشارة الى انه يريد توزيعا عادلا للدخل ويدرك فى الوقت ذاته ان البلاد بحاجة الى عمل شاق.

ورغم ان الرجل امضى معظم سنين عمره الـ59 داخل ثكنات الجيش المصرى الا انه لم يكن فى السنوات الاخيرة خصوصا بعيدا تماما عن السياسة.

خطة استراتيجية

عندما كان المشير السيسى  رئيسا للاستخبارات العسكرية ، وضع ما بات يعرف الان بـ»خطة استراتيجية» لتحرك محتمل لمواجهة «توريث الحكم» تحسبا لترشح جمال مبارك للرئاسة، بحسب ما قال عسكرى مقرب منه طلب عدم الكشف عن هويته.

وبعد قيام ثورة يناير التى أطاحت بمبارك وقطعت الطريق على فكرة التوريث، كان السيسى مسئولا عن الحوار مع القوى السياسية، بما فى ذلك جماعة الإخوان، فتعرف على كل القيادات السياسية الموجودة على الساحة فى هذه الفترة وبصورة مقربة.

حذر ودقيق

الذين يعرفون شخصية المشير عبدالفتاح السيسى يؤكدون أنه حذر ويحسب حساباته بدقة فقبل عزل مرسى بأكثر من اسبوع استيقظ الرئيس السابق ومعه قادة جماعة الاخوان «ليكتشفوا ان الجيش انتشر منذ الفجر على كل النقاط الاستراتيجية فى القاهرة وعند مداخلها وفرض سيطرته على الارض» بحسب شخصية عسكرية مقربة من قائد الجيش.

اما السبب، بحسب الشخصية نفسها، فهو انه كانت لدى القوات المسلحة «معلومات عن تحرك سيقوم به الإخوان يتضمن اعتقالات لأكثر من ثلاثين شخصية سياسية واعلامية فكان لابد من الاستباق، وتحرك الجيش من دون علم او اذن رئيس الجمهورية».

ويعرف المشير السيسى  كيف يكسب حب المصريين. وهو لم يتحدث اليهم عندما احتشدوا بالملايين فى الميادين فى الثلاثين من يونيو للمطالبة برحيل مرسى لكنه خاطبهم بشكل غير مباشر عبر مروحيات عسكرية حلقت فوقهم فى سماء القاهرة ملوحة بأعلام عملاقة لمصر راسمة قلوبا فى السماء.

الجنرال الإخوانى

عندما عين السيسى وزيرا للدفاع منتصف 2012 سرت تكهنات انه «اسلامى الهوى» لم تتبدد الا بعد عزل مرسى والحملة الامنية التى استهدفت الإخوان المسلمين وسقط فيها منذ قرابة ستة اشهر اكثر من الف قتيل واعتقل آلاف آخرون.

ويقول المقربون من السيسى انه لم يكن فى أى وقت يميل الى الاسلاميين من الجماعات المختلفة  لكنه مسلم متدين يحرص مثل كثير من المصريين على اداء صلاة الفجر قبل ان يبدأ عمله فى الصباح الباكر كما ان زوجته مثل الغالبية العظمى من المصريات ترتدى الحجاب.

تخرج السيسى فى الكلية الحربية المصرية عام 1977 ودرس بعد ذلك فى كلية القادة والأركان البريطانية عام 1992 وفى كلية الحرب العليا الامريكية عام 2006 .

وللفريق السيسى اربعة ابناء هم ثلاثة شبان درسوا جميعهم فى كليات عسكرية مصرية وانضموا الى صفوف القوات المسلحة واكبرهم متزوج من ابنة مدير المخابرات العسكرية الحالى اللواء محمود حجازى وبنت واحدة تزوجت بعيدا عن الأضواء قبل أيام ونشر الخبر عابراً غير أن مواقع التواصل الاجتماعى قدمت التهنئة على نطاق واسع للسيسى مصحوبة بياشارات محبة وعرفان بل ودعوات للترشح للرئاسة.