سلام عيدة :المشهد الأدبى الفلسطينى مقهور

اطلت علينا أخيراًمن قلب القدس بروايتها الأولى «الاستثناء الجميل» ، عن المجتمع الإسرائيلى ، فى عنوان يطرح أسئلة كثيرة، و يثير فضول القارئ إنها الأدبية الفلسطينية «سلام عيدة» ، فلسطينية من مواليد القدس، ومقيمة فى فلسطين، حاصلة على ماجستير فى اللسانيات العربية. وقدر لها هذا الحوار مع النهار تفاصيلها فى السطور التالية .
كيف كانت البدايات ؟
- كانت أشبه بحلم ما ، تمنيته وكثيرا ما تساءلت كيف يستطيعون؟ كنت قد امتنعت عن التعليم كمهنة لسبب ما ، لمدة سنتين ، وكنت أشعر بغضب شديد وقلق وجودى . قبلها بسبع سنين ، وعدت نفسى أن أكتب عملا طويلا عن حادثة سمعتها وأوردتها فى مقدمة الرواية. كانت لى تجارب قصصية سابقا أنشرها فى صحف ومجلات فلسطينية محلية، واشتركت فى مسابقات وفزت فيها بمراكز متقدمة، لكن خلال السنتين كان لدى شيء أقوله بناء على فلسفة ما ولم أجد ما يحتوى فكرتى إلا الرواية فكانت ، وحالفنى التوفيق .
ما هى رسالتك التى أردت إيصالها من خلال الرواية؟
هناك شيء جميل يجب أن يستثنى فى تقييمنا للآخر. ليس كل يهودى صهيونى ، والدين يستغل فى السياسة من قبل كل الأديان ، وهذا لا يعفينا من تدقيق النظر والبحث عن الحقيقة.
«راشيل كوري» قتلتها جرافات الاحتلال فى غزة، وهى متضامنة يهودية أمريكية . «الاستثناء الجميل» رحلة بحث عن الهوية والإنسان .
كما أن حجم تناول الآخر فى الأعمال العربية ضئيل وإن وجد فهو هزيل مشوه ، مقارنة بالإنتاج الضخم حول صورة العربى فى الأدب العبري. لماذا يسمحون لأنفسهم بالتحدث عنا، ونرفض بتعالٍ وكبرياء الاعتراف بواقع وجودهم ومحاولة التعرف على هذا الواقع ، على الأقل من باب الفضول؟
إن تجاهل الآخر لا ينفى وجوده إلا فى الذهن ، وليس على أرض الواقع ، إن معرفة الآخر ليست جريمة ، وليست خيانة ، الجريمة هى أن نحاكم غيرنا بمنطق المطلق، ونأبى ذلك على أنفسنا وديننا وفكرنا. والخيانة هى أن ننكر وجود الآخر ، كيف سنتعامل مع من لا نعرف عنه شيئا؟
كيف تتوقعين ردود فعل المجتمع الإسرائيلى حول روايتك؟
- حين قررت أن أكتب ،كنت أكتب لنفسى ،لأفرغ فكرة ما تؤرقنى ، ولأقتلها على الورق، لم يخطر لى كيف ستكون ردود الفعل العربية أو الإسرائيلية، لو فعلت لما نشرت .
وعموما ما دام قد طرح السؤال، فأتوقع ردودا متباينة، لعل ردة الفعل الإسرائيلية أخفها وطئا ، فهناك فى أدبهم بعض الصور الإيجابية للعربى التى حاولت أن تكون منصفة رغم تأثرها بالستيريوتيب للعربى فى العقلية الإسرائيلية ،وهم أكثر انفتاحا على معرفة الآخر منا . وفى روايتى لم أتحدث عن السياسية بقدر ما كانت رواية اجتماعية إنسانية .
لكنى وحسب ردود الفعل الأولية فى مواقع التواصل الاجتماعى وجدت بعض الغيرة الكلامية الحساسة و غير المبررة من قبل العرب ،على فلسطين بسبب غلاف الرواية .
كيف ترين المشهد الأدبى الفلسطينى والعربى عامة ، والنسوى منه خاصة؟
- المشهد الأدبى الفلسطينى عموما مقهور بسبب ظروف سياسية وتحزبية ، حين قررت النشر اخترت مصر لأنها حاضنة الأدب فى العالم العربى وفرص الدعاية والنشر فيها أكبر.
هناك أدباء فلسطينيون مميزون لكنهم مغمورون .
الأدب العربى والفلسطينى عموما يعانى من مشكلتين:
الإسهال الفكرى ، فأحيانا تجد أن الكتابة مجرد موديل ينتهجه من لا نهج له ويحترفه من لا عمل لديه .
والمشكلة الثانية، هى أنه ما إن يظهر نجم كاتب مثل نجيب محفوظ أو شاعر مثل محمود درويش حتى يحذو الصغار حذوه ، متجاهلين أن الخصوصية هى التى صنعته . أغلبنا يبحث عن السبل المطروقة ، ولا يشق طريقه بنفسه . لكن هذا لا ينفى صفة «رائع» عن كثير من الأعمال التى أخجل أن توضع روايتى بجانبها على رفوف المكتبات لفرط جمالها ،كأعمال يوسف زيدان مثلا ، وعبد الرحمن منيف وغيرهم .
أما الأدب النسوى ، فأميل إلى قبول هذا التخصيص ، بسبب خصوصية وضع المرأة العربية. رغم ذلك هناك شيء لا أحبه يميز أغلب الأقلام النسوية، وهى توقفها عند الكتابات الرومانسية والعاطفية وكأن الشؤون الإنسانية العميقة والاجتماعية لا تخصها أو كأنها لا تروق لها . القلم النسوى عموما يكتب بقلبه لا بعقله . رغم يقينى أن همومها أوسع من هموم الرجل ، وتأثرها أعمق .
ما تعريفك للرواية الجميلة؟
- الجمال فى أى عمل هو البساطة ، والتناسق وسعة التطبيق .
وفى الرواية ، هو أن تتقن خلق الشخوص ، لا بد لمؤلف الروايات من إجادة تقمص شخوصه ، وانتقاء الأقوال المهمة بطريقة تخدم أحداث الرواية .
كما أن الرواية الجميلة لا ترتكز فقط على اللغة الجميلة والأسلوب المنمق وإلا فإنها ستسقط عند أول عملية ترجمة لها.
الرواية الجميلة هى التى تشعر أنك ترغب بالاحتفاظ بها لأولادك ليقرؤوها .
أهم ما يجب أن يتحلى به الكاتب الروائى برأيك ومن خلال تجربتك؟
- التأمل والتحليل العميق لمواقف حياتية يومية قد يراها الآخرون عادية جدا. والقدرة على امتلاك تاصية اللغة وترويض جماحها لتصير مطواعة للكاتب فى أى فكرة يريد إيصالها، وقدرته على نقل التجربة الشعورية والنفسية ، وحينما يشعر الكاتب بالملل أو بالثقل فعليه التوقف فورا عن الكتابة لفترة ما، حتى يستعيد همته ورغبته ، وإلا فإن ملله سينتقل إلى القارئ فى كل حرف يسطره.
كذلك على كاتب الرواية أن يكون شديد التركيز فيما يكتب كى لا يقع تناقض فى الأحداث أو تكرار فى السرد.
هل الكتابة حرفة أم حلم أم اشتهاء؟
- الكتابة وحي، لا يجوز استعجاله بحال.
والكتابة رحلة وجع، حين تلوح لك فكرة وتطبق عليها صمتك قد تقتلك اختناقا، و الكتابة متنفس وقتل رحيم للفكرة فى شكل عمل أدبى ، لكنك لا ترتاح ، رحلة الوجع لا تتوقف ومن رضى عن عمله تمام الرضا سيكرر نفسه فى عمل جديد ، حتى يصل القارئ إلى مرحلة توقع جديده ، وهذا مطب يقع فيه كثيرون.
من كان يكتب ليصير مشهورا، أو ليستجلب الغنى ، ومن كان يكتب بمعالجة العبارات مرة بعد مرة، فلن تأذن له الكلمات بفك بكارتها .
الكتابة تأتيك فلا تجهد نفسك بالذهاب إليها، وإن لم يكن لديك شيء يؤرقك وتريد قوله ، فالرفوف لا تحتمل مزيدا من الثقل.
هل أفادتك مواقع التواصل الاجتماعى ككاتبة؟
- نعم كثيرا جدا ، ومن عدة جوانب.
بداية جعلتنى أطلع على طروحات فكرية أخرى، وقصص كثيرة . كما أنها من ناحية الانتشار قدمتنى إلى جمهور جميل وعريض من القراء والمثقفين، وكانت وسيلتى كذلك لزيادة تطويع اللغة فى طرحى الفكرى والأدبى . إضافة إلى أنها أخيرا سهلت لى التواصل مع دار النشر فى مصر التى تبنت العمل .