مفاجئات فى وثائق المخابرات الأمريكية عن عبد الناصر و السادات

كشفت الوثائق الأمريكية الأخيرة التى رفع عنها جهاز المخابرات الأمريكية «سى آى إيه» السرية مؤخرا، عن بداية عمل هذا الجهاز الكبير فى منطقة الشرق الأوسط والتى بدأت قبل شهور قليلة من اعلان إسرائيل قيام دولتها على أجزاء من الأراضى الفلسطينية فى مايو 1948.
ففى اجتماعه التاريخى مع الملك السعودى الراحل عبدالعزيز آل سعود فى فبراير 1945، أقر الرئيس الأمريكى الأسبق فرانكلين روزفلت بضرورة التنسيق الكامل مع القائد السعودى ومعظم قادة الدول العربية آنذاك قبل اتخاذ أى خطوة أمريكية تجاه الدولة اليهودية على الأراضى الفلسطينية، وذلك بناء على طلب آل سعود بعدم تقديم دعم أمريكى لليهود فى فلسطين. إلا أن الخيانة الأمريكية، و«الإخلال التاريخى بتعهد روزفلت والاعتراف بدولة إسرائيل»، بحسب قول القائم بالأعمال الأمريكى فى السعودية آنذاك «وليام أيدى»، أجبر المخابرات الأمريكية على العمل فى المنطقة من أجل حماية الدولة الإسرائيلية الجديدة والحفاظ على أمنها فى المنطقة.
يقول أحد مؤرخى «سى آى إيه» ماثيو بينى فى الوثيقة المعنونة «السى آى إيه والسياسة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط»، إن أبرز الحلقات فى العلاقات الأمريكية مع دول الشرق الأوسط جاءت فى اجتماع آل سعود وروزفلت فى فبراير 1945، عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، وأثناء عودة الأخير إلى بلاده من مؤتمر يالطا للسلام «بروسيا»، والذى ناقش الأوضاع الدولية ما بعد الحرب العالمية الثانية.
فروزفلت كان مهتما بالعلاقات الامريكية مع دول المنطقة، وجاء اجتماعه مع آل سعود فى إطار التحرك الأمريكى آنذاك الهادف لتعزيز العلاقات الثنائية المباشرة مع أبرز دول المنطقة أمثال الملك فاروق فى مصر، والإمبراطور هيلا سيلاسى فى إثيوبيا.
فبداية دور المخابرات الأمريكية فى الشرق الأوسط، جاء بإصداره عدد من التحليلات التى حذرت فيها من عدم الاستقرار التى ستشهده المنطقة بسبب قياد الدولة اليهودية. حيث أشارت المخابرات الأمريكية، إلى أن الرد الشعبى العربى على تقسيم دولة فلسطين سيجبر القادة المعتدلين فى المنطقة على معارضة وبقوة قيام دولة إسرائيل، وذلك للناى بأنفسهم وحكوماتهم من الإطاحة بهم أو الانهيار. وفى أوائل خمسينيات القرن الماضى، ومع قدوم الرئيس المصرى الراحل جمال عبدالناصر إلى سدة الحكم بعد الإطاحة بالملك فاروق، توقعت المخابرات الأمريكية أن يقود عبدالناصر جبهة الرفض الأمريكى، إضافة إلى مسعاه إلى التحالف مع الاتحاد السوفيتى أنذاك، موضحة أن سيكون الشوكة فى حلق واشنطن بالمنطقة.
إلا أن المخابرات عادت وأشارت إلى أن توجه مصر إلى السوفييت، سيتطلب من واشنطن التعاون مع حلفائها التقليدين أمثال «الأردن وإيران (حتى قيام ثورتها 1979)» وذلك لإحداث توازن بين النفوذ السوفيتى والأمريكى فى المنطقة.
ودعت المخابرات الأمريكية، إدارة البيت الأبيض فى ذلك الوقت إلى ضرورة الحفاظ على التكوينة الجديدة والتحالفات القائمة بين الدول العربية والاتحاد السوفيتى وبين واشنطن والدول العربية، والعمل على عدم إسقاط حكوماتهم. وبعد قدوم الرئيس المصرى الراحل أنور السادات إلى الحكم، توقعت المخابرات الأمريكية أن تجبر الضغوط الداخلية الرئيس الجديد «السادات» على الإقدام إلى شن حملة عسكرية ضد إسرائيل وإن كانت فاشلة، من أجل استعادة الثقة المصرية.
وبحسب وثائق السى أى أيه، ألمح محللوها إلى أن الحرب قد تندلع فى 19 أكتوبر، مشددين على أن الضربة العربية سيكون لها مردود قوى للغاية على تقوية الوضع السياسى للرئيس السادات فى مصر وكذلك جميع الحكام العرب فى المنطقة، إضافة إلى حجم الإحترام والشعبية التى سيحصل عليها من جراء دخوله هذه الحرب.
تكتيكات السادات التفاوضية
انشغلت وثائق المخابرات الأمريكية المفرج عنها مساء الاربعاء الماضى بشخص الرئيس الراحل أنور السادات، لتعدد البرقيات الأمنية والدبلوماسية حول شخصيته.
وواحدة من أهم هذه الوثائق تلك التى درست تكتيكاته التفاوضية، وذلك عقب درس أكتوبر فيما عرف وقتها باسم «الخداع الاستراتيجى» المصرى لإسرائيل. وتشير الوثيقة المؤرخة فى يناير 1978، إلى أن الرئيس السادات بدا أنه ليس فى عجلة من أمره لتسريع وتيرة التفاوض، مفضلا إبقاء التهديد قائما، وذلك عبر استدعائه لوزير خارجيته من مفاوضات مع نظيره الإسرائيلى بالقدس (المحتلة). وفسرت الوثيقة هذا السلوك بأن السادات يضغط على كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، لتعديل مواقفهما التفاوضية مع مصر.
ونقلت الوثيقة عن دبلوماسيين مصريين رفيعين لم تذكر اسمهما قد قالا لنظرائهما الأمريكيين كل على حدة إن السادات يرى أن الوقت لم يحن بعد لتليين الموقف المصرى، إذا لم تحصل القاهرة على تغيير جوهرى فى الموقف الإسرائيلى.
وأضافت الوثيقة نقلا عن الدبلوماسيين المصريين أن قطع المفاوضات جاء بعد أن استخلص السادات أن الإسرائيليين لا يريدون إعادة الأراضى المصرية المحتلة لمصر، وأن الولايات المتحدة لم تدعم الموقف المصرى كما يجب. وقالت الوثيقة: إن السادات يصر على ضرورة الانسحاب أو على الأقل الإعلان الإسرائيلى عن موقف كبير ومختلف (بخصوص الأراضى المصرية المحتلة فى سيناء والحكم الذاتى للفلسطينيين)، حتى يستأنف المفاوضات معها.
مؤتمر بغداد.. نهاية الجبهة ضد السادات
رصدت برقية مخابراتية أمريكية مؤرخة فى 30 مارس 1979، كيف انتهى الحلف العربى ضد توجهات الرئيس الراحل أنور السادات، الذى كان قد وقع اتفاقية سلام مع إسرائيل، بعد مفاوضات قاسية استمرت 13 يوما فى المنتجع الرئاسى الأمريكى كامب ديفيد برعاية الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر.
فبعد تهاوى حلف دول «التشدد العربية» بسبب الخلاف الأيديولوجى بين فرعى حزب البعث العراقى بزعامة صدام حسين، والسورى بقيادة حافظ الأسد، ثم وفاة الزعيم الجزائرى الأسبق هوارى بومدين فى 1978، بدأ الصراع يظهر للعلن بين «دول الاعتدال وجبهة الرفض».
فقد أشارت الوثيقة المفرج عنها مساء الأربعاء الماضى مع مئات غيرها (250 وثيقة تحتوى على 1400 صفحة حول دول المخابرات المركزية الأمريكية فى عهد كارتر خلال كامب ديفيد)، أن صراعا حادا بين السعودية قائدة دول الاعتدال العربية، والعراق زعيم جبهة الرفض.
وقالت الوثيقة: إن «السعوديون رفضوا العمليات الانتقامية التى رعتها منظمة التحرير الفلسطينية ودعمتها دول التشدد، بما فيها العراق».
لكن الوثيقة أشارت إلى أن السعوديين والزعيم الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، يمكنهم تجاوز خلافاتهم بسهولة.
وتابعت الوثيقة أنه «إذا ظل السعوديون ثابتين على موقفهم، فإن العراقيين وحلفاءهم من المتشددين سيكونون راضين بالحد الأدنى من التوافق»، وفى هذه الحال سيكون لكل دولة على حدة تطبيق عقوباتها «على الرئيس السادات بما لا يضر بالشعب المصرى».
ورفض «المعتدلون» (الملكيات العربية وتونس والسودان واليمن الشمالى) تهديدات العراق بالإطاحة بقادة العرب الذين يوفرون دعما سلبيا للرئيس السادات، حيث تخوف الخليجيون من أن بغداد لديها مثل هذه الخطط».
الصحافة الغربية: رسالة مصرية لواشنطن: لا تضغطوا علينا
تناولت الصحافة الغربية زيارة وزيرى خارجية ودفاع روسيا لمصر وأثرهما على العلاقة بين البلدين والعلاقة بين القاهرة وواشنطن.
وقالت وكالة أسوشيتدبرس إن استقبال المسئولين الروسيين رفيعى المستوى فى القاهرة من شأنه أن يوسع نفوذ موسكو من خلال تعاونها العسكرى والاقتصادى مع حليف رئيسى للولايات المتحدة فى الشرق الأوسط هو مصر.
وأشارت الوكالة إلى أنه على الرغم من أن المسئولين المصريين يقولون إن البلد الذى كان حليفا سابقا للاتحاد السوفييتى من قبل لن يتخلى عن الولايات المتحدة، فمن الواضح أن الحكومة المصرية ترسل إشارة مفادها أن لديها خيارات اخرى.
ونقلت الأسوشيتدبرس عن وكالة انترفاكس الروسية أن مسئولا لم تذكر اسمه بشركة روسوبورون لتصدير الأسلحة التابعة للدولة قال إنه لا توجد خطط تدل على عقود كبير أثناء محادثات القاهرة.
إلا أنها قالت إن مصر أبدت اهتماما بشراء أنظمة صواريخ دفاعية روسية وطائرات ميج مقاتلة وطائرات هليكوبتر مدمجة وغيرها من الأسلحة.
من ناحيتها، أشارت صحيفة واشنطن بوست إلى أن توسيع العلاقات مع مصر سوف يوفر لروسيا موطئ قدم أقوى فى بلدان كانت تعتمد فى المقام الأول على تحالفاتها مع الولايات المتحدة.
وأوضحت أن التقارير الإعلامية الواردة من القاهرة وموسكو تشير إلى أن البلدين يتفاوضان على صفقة أسلحة بملايين الدولارات، وهو ما يبين قدرة مصر على شراء أنظمة أسلحة متقدمة دون مساعدة الولايات المتحدة.
وذكرت الصحيفة أن إحدى العقبات الكبيرة التى تقف فى سبيل شراء مصر للأسلحة الروسية على نطاق كبير هى التدفق النقدى.
فعلى الرغم من أن دول الخليج كالإمارات والسعودية والكويت، دعمت مصر باثنى عشر مليار دولار كمساعدة بعد عزل الرئيس محمد مرسى كى تستمر الحكومة فى عملها، إلا أن الاقتصاد المصرى مازال غير مستقر، وتحتاج القاهرة لتمويل مضمون لاحتياطيها المتدنى من النقد الأجنبى والدعم والواردات باهظة الثمن.
أما صحيفة كريستيان ساينس مونيتور فنقلت عن وزير الخارجية نبيل فهمى قوله إن مصر لا تتطلع إلى استبدال حليف بآخر.
إلا أن المحلل السياسى ياسر الشيمى قال للصحيفة إن الزيارة تعنى رسالة إلى واشنطن مفادها أن مصر لديها خيارات، وأنه إذا كانت الولايات المتحدة ترغب فى الحفاظ على تحالفها الاستراتيجى مع مصر فسوف يتعين عليها إسقاط الشروط التى تربط بها المساعدات العسكرية.
من ناحية أخرى، تحدثت صحيفة وول ستريت جورنال عن التأييد الفاتر من جانب واشنطن للحكومة المؤقتة، سواء من ناحية الإقرار الباهت لعزل مرسى، وتعليق جزء من المساعدات الأمريكية السنوية، وهو ما أغضب المسئولين المصريين وأدى إلى ظهور رد فعل عنيف ضد أمريكا فى الإعلام المصرى.
وأوضحت الصحيفة أن روسيا رأت أن نفوذها فى الشرق الأوسط يتآكل باطراد على مدى العقود القليلة الماضية، وهى العملية التى تسارعت مع الربيع العربى، عندما جعل تأييد الكرملين لرجال المنطقة الأقوياء على خلاف مع الحكومات الثورية الجديدة.
وتسعى روسيا إلى مواجهة النفوذ الأمريكى فى المنطقة، حيث تعمل على إعادة بناء العلاقات مع الحكومة الجديدة فى ليبيا على سبيل المثال، كما سجلت روسيا نقاطا لها عند السلطات المصرية برفضها أن تنتقد علنا الإجراءات القمعية التى أعادت الجيش إلى السلطة.

