هجاء المجتمع المقززفى مجموعة «الوفاة المؤلمة لريسكى»!

قد تكون هذه المجموعة القصصية ـ الصادرة مؤخرًا عن دار إبداع للنشر ـ تدشينا لجيل أدبى غاضب، يمارس قدرا ما من العنف الإبداعى ضد المجتمع. جيل راهنت على قرب بزوغه، متأثرا بالأحداث السياسية الأخيرة، لمبدعين شبان، تشاركنا معًا حلم ثورة يناير، قبل أن نفيق منه على ما يشبه الكابوس. هناك قدر من الإحباط يتكون فى المخيلة الإبداعية للكثيرين، قد يكون هو الهاجس المنتج لتلك الصور الصادمة والمقززة التى قدمها الكاتب الشاب هيثم الوزيرى فى مجموعته القصصية الأولى.
«الوفاة المؤلمة لريسكي» مجموعة قصصية تضم ثلاثة وعشرين نصًا قصصيًا، يمكن أن تتفاوت تصنيفاتنا لها؛ فمنها القائم على الفانتازيا، ومنها القائم على التصوير، ومنها الواقعى القائم على المشهد أو اللقطة.. ولكن يبقى الهم المشترك هو ما يجمع النصوص، وهو أهم ما يميز المجموعة، وهو ما يصلح كمنطلق للحديث عن تفردتها. ولأن النصوص لم توحِ لى بأن المجموعة صنعت فى إطار مشروع إبداعى متكامل، فهذا ما صدر لى الانطباع بأن تشارك أغلب النصوص فى ذات الهم، أو زاوية الرؤية، هو دليل على تملك هذا الهم من عقل الكاتب كهاجس دافع للإبداع، ولو بشكل لا إرادي.
فى أغلب نصوص المجموعة هناك ذلك البطل الفرد.. ذلك الذى يواجه المجتمع متسترا وراء عزلته. يأخذ أحيانا شكل البطل السلبى الهارب، وكأنما فرض العزلة على نفسه سخطًا على المجتمع، وابتعادًا عن الناس، مثل أبطال نصوص (وقت الأصيل ـ جنيه واحد ـ طريق). وهناك البطل الإيجابى المتصادم بقوة مع المجتمع وقيمه الخاطئة، كما فى نصوص (حدث فى يوم الجمعة ـ لعب عيال ـ الجومار الأعظم) وإن انتهت المواجهة فى الغالب بما يشبه الهزيمة، وفشل محاولة التمرد. وهناك البطل المزيج بين الحالتين، ذلك الذى يدرك مبكرا ألا فائدة من الصدام مع المجتمع، وأن السعادة فى اتباع الأفكار والقيم السائدة مهما كانت خاطئة، كما فى واحد من أجمل نصوص المجموعة (طبق اليوم).
لا يكتفى هيثم الوزيرى بهذا التنوع فى تقديم صورة البطل الفرد وأزمته ضد المجتمع، وإنما يقدم فى مجموعة النصوص (رائحة ـ عتبة الغرق ـ عتبة النجاة ـ زفارة) تصويرا مقززا لهذا المجتمع، أو تحديدا لطبيعة الصراع الدائر، فيستخدم القيئ، والرائحة الكريهة، وزفارة السمك، وحتى الصرف الصحي!.. فى إلحاح منه على ذات الفكرة: وصول المجتمع لمرحلة العفن التام. وهو ما قد يعتبر زائدًا عن الحاجة، ويمثل تكرارًا ضاغطًا على القارئ، فقط ليعبر عن هواجس الغضب التى تقود الكاتب.
وفى نصوص قليلة، يخرج هيثم من حالة الهجاء المستمر للمجتمع، أو من حالة التعاطف مع البطل الفرد، ليقدم لنا رؤية لمشكلات محددة. مثل التدين الكاذب (حدث فى يوم الجمعة) و(مشوار). أو نقد الوسط الأدبى ذاته، كما فى نص (أحمر + أزرق =..!)
تكثر فى نصوص المجموعة العلاقات العابرة الخاطفة، تدعيما لعزلة الأبطال، وهو ما يقدمه هيثم الوزيرى من خلال اختياره للمكان فى النص، فنجد أكثر من نص تدور أحداثه فى الميكروباص، أو أثناء سير البطل فى الشارع، حيث يكون خروج الأشخاص من حياته فى ذات لحظة دخولهم! ليبقى مخلصا لعزلته، وليبقى أى تواصل بينه وبين الآخر محض علاقة مبتورة، ربما قبل حتى أن تبدأ، كما فى النص (غواية) على سبيل المثال.
اللغة يصيغها هيثم باعتيادية.. لغة لا هم تحمله سوى نقل المعلومة للقارئ، بلا تجميل أو تعقيد. وحتى لجوءه للمجاز يأخذ غالبا شكل التشبيه التقليدي، وهى تشبيهات فى الغالب تأتى ساخرة، وأحيانا اعتيادية مفتقرة للطزاجة المطلوبة، كما فى تلك الجملة من نص (حدث فى يوم الجمعة):
«أحاول الوقوف، لأكتشف أن ساقيّ تحولتا إلى طبقين من المهلبية»
يبقى عنوان المجموعة كما أراه ـ وهو عنوان واحد من نصوص المجموعة ـ مجرد غلاف دعائى جذاب، ليست له علاقة حقيقية بالفكرة الرئيسية التى تحملها المجموعة، ولا يحمل مدلولا مستقلا، ولا يمكن حتى اعتباره إشارة من الكاتب لنص فارق أو محورى فى المجموعة. إنما هو مجرد اختيار تقليدى لعنوان رآه الكاتب جذابا.
ختامًا، مجموعة الوفاة المؤلمة لريسكى للكاتب هيثم الوزيرى قد تكون صيحة أولى فى سيل من الصرخات الإبداعية، التى قد تليها من حناجر أدباء شبان يعيشون علاقة مأزومة مع المجتمع.