النهار
جريدة النهار المصرية

مقالات

يسري العزباوي يكتب : التظاهر .. التقنين أو الفوضى

-

بداية، بمجرد التفكير من الحكومة فى سن قانون لتنظيم عملية التظاهر، أو على الأقل، ضبط حركة الفعل التظاهرى فى الشارع المصرى عقب ثورة 25 يناير، قامت الدنيا وهبت الرياح والعواصف وبيانات الشجب والإدانة والرفض المطلق من مختلف التيارات والحركات والأحزاب السياسية للقانون، بسبب أو بدون سبب، ودون أن يعلم أحد هل قامت الأحزاب والحركات الثورية بدراسة نص القانون أم لا. المؤكد الرفض المطلق أصبح عادة "تستمتع بها" الكيانات السياسية، التى هى فى أحوج الأمور لكى تمارس عملية النقد الذاتى عما ارتكبته من أخطاء خلال المرحلة الماضية.

 

لا يستطيع أحد أن ينكر بأن حق التظاهر والاجتماع هو أحد أهم مكتسبات الثورات المصرية، وهو أحد الحقوق التى كفلتها الدساتير المصرية منذ دستور 1923 حتى دستور 2012، والذى يتم تعديله الآن، وبالتالى فإن وجود قانون ينظم هذا الحق، هو استحقاق دستورى لا يجوز غض الطرف عنه بأى حال من الأحوال. وعلى الرغم من اعتقادى الكامل والتام بأن اللحظة الراهنة، هى الأكثر منطقية ومناسبة لإصداره، إلا أننى اتمنى من القائمين على المرحلة الانتقالية تأجيله لحين الانتهاء من انتخابات مجلس الشعب القادم، وذلك لعدة أسباب، منها:

 

أولا، توقيت إصدار القانون آثار علامات دهشة وتساؤل لدى كثيرين، وكما يقول المثل الشعبى الشهير "الباب اللى يجيلك منه الريح سدة واستريح"، ومن ثم الحكومة الحالية لن تستطيع مواجهة أطراف جدد، حتى ولو كانوا مؤيدين لخريطة المستقبل. وعلى الجانب الآخر تأييد البعض للمرحلة الانتقالية ليس معناه تأييد مطلق لكل ما تقوم به الحكومة.

 

ثانيا، أن أغلب الأحزاب والحركات القائمة الآن سوف ترفض القانون حتى لو تم ترجمة الجزء الخاص بحق التظاهر من وثيقة الحقوق الأمريكية وإقرارها كقانون لتنظيم التظاهر فى مصر. وذلك لأن أغلب الأحزاب أدمنت ما يمكن أن نطلق عليه "حالة الرفض الثورى" لكل ما هو جديد من قبل الحكومة أو غيرها.

 

ثالثا، هناك من يدعى بأن الهدف من القانون هو الحفاظ على الأمن والاستقرار، وأن الحكومة لا تريد التوسع فى تطبيق قانون الطوارئ، وربما يكون هذا صحيح، ولكن سيفهم من إصدار القانون هو مواجهة جماعة الإخوان المسلمين، ونحن بالفعل نريد قانون عصرى بمعايير دولية يحافظ ويحمى حقوق الإنسان، وليس لمواجهة جماعة أو حزب أو فصيل، خاصة وأن هناك بعض القوانين التى تستطيع بها الحكومة تحقيق الاستقرار، ومنع الإخوان والجماعات الإرهابية من ممارسة العنف والتصدى لها بكل قوة وحسم فى ظل هذا التأييد الشعبى لها.

 

رابعا، تحاول بعض التيارات وجماعة الإخوان الصيد فى الماء العكر والاستفادة من "رد الفعل العام" الرافض للقانون، لكسب تعاطف شعبى وحزبى معها، أو تصوير المشهد بأن هناك بعض القوى انضمت إليها فى رفضها لما يحدث فى مصر، ونست الجماعة بأن القوى المجتمعية التى رفضت القانون هى ذات التى رفضها قانونها المشبوه حينما حاولت حكومة الدكتور هشام قنديل تمريره من قبل.

 

خامسًا، أن مجلس الشعب المزمع انتخابه لن تستطيع الأحزاب والكتل السياسية أن تزايد عليه قيد أنملة. بمعنى أخر، فى حال إصدار القانون من المجلس سيكون إخضع لمناقشة جادة ومن ثم الوصول إلى التوافق حوله، وقد تم تضمين جميع الأراء فيه.

 

وفى النهاية، نحن بحاجة حقيقية لقانون لتنظيم حق التظاهر والاجتماع والاعتصام يتواكب مع روح ومبادئ وأهداف ثورتى 25 يناير و30 يونيو يحدد أماكن وميعاد ومدة التظاهر، والشعارات الممنوعة، وطرق فض التظاهر، ودور الجهات الأمنية فى حماية التظاهر وليس منعها أو التعسف فى إعطاء التراخيص اللازم للتظاهرات.