جريدة النهار المصرية

حوارات

أمنة نصير: رمضان فرصة عظيمة لتجديد الايمان

أمنة نصير
-

شددت الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر، على أن يستغل المصريون شهر رمضان الكريم لوقف حالة الاحتقان السياسى الموجودة فى الشارع الآن، وأن يرتفعوا فيه بقيمهم ومبادئهم الإنسانية حتى يتمكنوا من بناء مستقبل أفضل لبلدهم، ودعت د. آمنة لضرورة التطوير فى قراءة النص الدينى، واصفة من يرفضون ذلك بالجهلة الذين يفتقرون للأدوات الاجتهادية اللازمة، كما اتهمت بعض أصحاب الخطاب الإسلامى غير المؤهلين فى نشر الكراهية، ورأت أنهم بخطابهم الخشن نفروا كثيرين من الدين وساهموا فى زيادة أعداد الملحدين، وأن يتم التركيز على وسطية الإسلام والابتعاد عن الصورة السلبية التى صدرتها لنا خطابات بعض الشيوخ فى الفترة الماضية وتسببت فى زيادة عدد الملحدين.

فى البداية كيف تقرأين المشهد الحالى؟
- المشهد الآن ملتبس وممتلئ بالمتناقضات، ما بين حصاد كامل فى سنة كئيبة اختلطت فيها الأوراق وخضعت فيها مصر لأهواء هذا الفصيل الذى حكم مصر، وبكل أسف لم يترك فيها أى نجاح أو إيجابية نعذره من أجلها الآن، بل صب كل أمراض النفس البشرية التى خرجت من المعتقلات والسجون وصبته على وجه مصر والمصريين، اللهم إلا الرغبة فى الاستحواذ والتكويش والانشغال بالفصيل والجماعة والعشيرة وتم إسقاط مصر من حساباتهم فى كل المجالات.

وكيف يمكن استغلال هذا الشهر الكريم للتقليل من حالة الاحتقان الموجودة ومنع إسالة مزيد من الدماء؟
- ليس أمامنا إلا أن نقول كيف نخرج من هذا المشهد بكل أمراضه والتباساته إلى غد جديد وقوى خاصة ونحن فى هذا الشهر الفضيل الذى يعلو فيه النفس البشرية وترقى، أتمنى أن يكون شهر الصوم عونا لنا جميعا أن نتجاوز ما نحن فيه من مرارة وإحباط وتشاؤم وأن ينقلب كل هذا إلى أن يكون شهر مرحمة ونتغلب فيه على كل ما فى نفوسنا من أمراض وأن نردد قوله صلى الله عليه وسلم «اليوم يوم المرحمة»، أدعو الشعب أن نردد هذا ونفعل ونقول إن هذا هو يوم المرحمة، يوم الوفاء لكى يا مصر وكل مواطن مصرى يؤخذ هذا البلد إلى الإمام ونشارك سويا فى كتابة مستقبلنا.

خلال الفترة السابقة تسبب خطاب بعض رجال الدين فى تصدير صورة سلبية عنه.. كيف نعود مرة أخرى لمفهوم الإسلام الوسطى وأن الدين %10 منه عبادات و%90 معاملات؟
- أود أن نفهم صحيح الإسلام فى بناء الإنسان وبناء العقيدة والعمل وبناء الصدق والمستقبل، فالإسلام الذى يحذر من أن نقول قولا أجوف دون تطبيق عملى، تعالوا جميعا نقول ونفعل ونرسى قيم هذا الدين العظيم لنقدمه بما يليق به وليس مجرد المظهر الذى أغرقتنا فيه الفصائل التى رفعت شعار الإسلام ولم نعرف منهم إلا هذا المظهر، أتمنى أن نعتنى بالمظهر الجميل الوسطى وبالعمل على البناء على أرض المدينة الفاضلة وليس ما رأيناه من أن نقول ما لا نفعل، أود أن نتجه إلى بناء حضارتنا العظيمة على قيم وأسس مستنيرة تمثل جوهر الإسلام الحقيقى.

ومن وجهة نظرك، ما السبب الرئيسى فى الحالة التى وصلنا إليها؟
- جميعنا حلمنا بوجود حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية، فهذا المستقبل هو ما يحلم به كل إنسان على هذه الأرض الطيبة، عشنا هذه الأحلام فى المدينة الفاضلة خلال الـ18 يوما التى قامت فيها ثورة 25 يناير، فهذه الأيام كانت أحلى أيام عمرى، كانت بمثابة العرس بالنسبة لى، إلى أن انكسر هذا الحلم، وهذا الانكسار له عدة أسباب منها أسباب سياسية، وأسباب تنصبّ على الجشع والاستحواذ، وأخرى تنصبّ على الاستهانة بمكانة مصر ومشكلاتها.

خرجنا من مجتمع حكم بالحديد والنار وأمن الدولة والرهبة، فقد عشنا فى هذا الوضع تقريبا 40 سنة، لا أستثنى منها فترة معينة، فكل فترة وكان لها لونها من الاستبداد، وخلال هذه الفترة أطلقت على الشعب المصرى لقب أم الصابرين، لأنه صبر على هذه المراحل جميعها، بالرغم من وجود كر وفر من فترة لأخرى.

وقد تركنا كل هذا خلف ظهورنا، وظهر حاليا أسوأ ما فى الإنسان المصرى، فهناك فوضى وعدم أخلاق، فقد خرجوا من كانوا يحبسون فى السجون بقوة القانون أيا كانت مسمياتهم سواء كانوا بلطجية أو انتهازيين، أو إرهابيين، فجميع هذه المصطلحات وجد فيها شرائح الناس التى لم تراع دماء الشهداء التى أريقت خلال الثورة، ولم يمسك بزمام الدولة من يجمع الفرقاء، ومن يحترم قوة القانون وقوة الدستور فى الوقوف أمام أى بغاء، وبالتالى انتشرت الفوضى.

ثم خرجنا من هذه العتبة الأولى إلى العتبة الثانية تحت مسمى الطريق إلى الديمقراطية، وانتخبنا البرلمان وفشل هذا البرلمان وطعن عليه بسبب الأخطاء التى كانت موجودة فيه، وسقط هذا البرلمان. ثم جاء حزب الحرية والعدالة وقد كانوا فى البداية حكماء، عندما قالوا هذه المقولة التى سمعتها بأذنى وهى «لن نتقدم برئيس، ولن نرشح رئيسا، وفى البرلمان لن نطمح بأكثر من %25»، وأنا أذكر هذا جيدا، ويا ليتهم فعلوا ذلك، فإن فعلوا لكانت هذه الجملة أصبحت بالنسبة لهم الحصن، فقد كان من الحكمة أن يتركوا الثورة ترفد رواسبها، ثم تشتد الدولة وتستقر فتتهيأ لهم الفرصة ربما فى إدارة البلاد، ولكنهم تكالبوا على السلطة، ورشّحوا فى البداية مرشحهم الأول الذى كانت عليه بعض الملحوظات، فقاموا بعد ذلك بترشيح الاستبن، الدكتور محمد مرسى، وكل هذه للأسف كانت خطوات غير موفقة لجماعة الإخوان المسلمين.

وكيف أساءت جماعة الإخوان المسلمين لتاريخها فى رأيك؟
- هم أساءوا إلى أنفسهم أولا، وإلى مصر ثانيا، فياليتهم انتظروا سنتين أو ثلاثا إلى أن يتعافوا ويغسلوا نفوسهم ومشاعرهم الغاضبة والانتقامية، فإذا انتظروا لكانوا ارتاحوا الآن ونجحوا، ولكانت نجت مصر مما هى فيه الآن، فهذا هو تقييمى لهذه المرحلة.

أما بالنسبة للشعب فهناك الكثير من الحوارات التى لا يعلم عنها أحد، فهى تتم تحت الطاولة وهدفها هو الاستحواذ، فلقد جاءوا بفكر معين هدفه الاستحواذ على مصادر البلد، وتخيلوا أنهم أصبحوا السلاطين التى تحكم حاليا، ولم يكونوا منصفين لأنفسهم فى مرحلة التعافى، ولم يكونوا عدولا فيما أعلنوه من راية الإسلام، وهنا يجب أن نقف عند نقطة تعتبر أسوأ ما يحدث الآن، وهى التجارة بالدين، التى تم ممارستها فى أوروبا فى العصور الوسطى وفى عصور أخرى كثيرة، ولم تجن هذه التجارة أى إيجابيات، فليتهم كانوا أنصفوا أنفسهم وتعلموا أخلاق الدين، ولم يستخدموا راية الدين للاستحواذ على البلاد، والاختباء تحت مصطلحاتها، فقد كانت لهم درجة عالية من النهم لامتلاك أى شىء، والذى وقف أمامهم هى الفصائل الدينية الأخرى التى تملك نفس الأدوات والمفردات مثل السلفيين الذين ليسوا سلفيين فى الأصل، فصراعهما على السلطة كان ضحيته هو الشعب المصرى، فكل فصيل منهما دخل هذا الصراع ولوّنه واستخدمه لخدمة مصالحه الشخصية، بحسب طموح كل فصيل. وكنت أخشى ما أخشاه أننا نخطو نفس خطوات أوروبا، فعندما تاجروا بالدين وبصكوك الشهادة والغفران والجنة، ضاقت أوروبا بهذه التجارة التى نحن فى أوجها حاليا، وقالوا جملتهم الشهيرة «توقفوا وأعط ما لقيصر لقصير وما لله لله، ولا تدخل للدين فى السياسة أبدا»، وهذا ما أخشاه على مصر الآن، فما أسمعه أن هناك عددا كبيرا من الناس بدأت ترتد عن الدين، أو يرتابون فى بعض القضايا وهذا موضوع فى منتهى الخطورة، ولهذا أنبه وأشدد توقفوا عن هذه التجارة.

وكيف ترين من يدفعون حياتهم بدعوى أنهم يحمون الشرعية؟
- الصندوق الانتخابى على عينى وعلى رأسى، ولكن هذا الصندوق له مسؤولية تفوق مسؤولية المتمردين الآن، لأنك خيبت أمله، ولهذا هو يتمرد سلميا، فأنا يا سيادة الرئيس أشعر بخيبة الأمل، ولذلك تمردت، وكنت أتمنى أن تتوجه للمجتمع وتحدثهم جميعهم وتقول لهم أننى أعلم أن الشعب غاضب منى وسوف أصلح جميع ما أغضبكم منى، ولن أكسر لكم همة بعد الآن، لنستقبل المستقبل الجميل، ولكن للأسف أذناه وعيناه مغلقة، وحاشيته التى من حوله التى تسجل أسوأ ما تم تسجيله خلال هذا العصر، لقد ملأ قلب الشعب المصرى بالكراهية والحقد والنفور والرغبة المؤكدة فى التغيير.

وأنا ليس لى هدف مما أقول سوى مصلحة الوطن، وهذا الحديث أرسله إلى الرئيس السابق فأنا كنت سأصبح سعيدة إذا جعلتم من مصر البلد القوى المنتج العفى الذى كنت أحلم به وأتمناه، ولكن سامحك الله، لقد خيبت أمل آمنة نصير التى كانت تحلم بهذا البلد جميلا، ولا تريد إلا الستر لمصر والعافية لأهل مصر وعلى الرغم من أن الإنسان المصرى هو ثروتنا الحقيقية، وهذه الثروة ملأتها بالخوف والقلق وعدم الاستقرار، وعلمّته قسوة الكلمات وعبوس الوجه فى هذه السنة التى توليت فيها الحكم، فأنت بددت ثروة مصر التى تتمثل فى الإنسان المصرى، فلمن نشكوك؟
وكيف كنتِ ترين الشيوخ الذين استباحوا القنوات الفضائية؟

- هذا بالتأكيد ابتلاء، كثير من القنوات عنوانها القنوات الإسلامية، ولكن من يظهرون فيها هم تجار أساءوا للدين، وأساءوا للإسلام، وأساءوا للشعب المصرى لأنهم لم يوصلوا لهم الدين الوسطى الصحيح، فالله تعالى جعل الإسلام دينا وسطيا وهذا فى القرآن تحديدا فى سورة البقرة فى الآية التى تقول «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا».. صدق الله العظيم.
وعلى سبيل المثال كان هناك تطاول طول الوقت على دور المرأة وتواجدها، بعدما استغلوها لكى تقف فى طوابير الانتخابات، حتى يحصلوا على صوتها وفى هذه الحالة كان دور المرأة محمودا، ولكن عندما طلب من الحزب ترشيح امرأة أو امرأتين، وضعوها فى ذيل القائمة الانتخابية، كنا نسمع منهم أقبح المصطلحات، فهم أخرجوا أمراضهم وجاءوا بها إلينا، فمن يريد الزواج بطفلة لديها تسع سنوات لابد أن يذهب أولا للعلاج ليعرف كيف يريد أن يتزوج طفلة، هذه ما هى إلا أمراض شخصية من بعض الناس يتم تلفيقها فى قوالب دينية ضد الإسلام، فلا يوجد حاليا التزام بأخلاق الإسلام، فهم نسوا البعد الأخلاقى للإسلام فى تنشئة المجتمع، فهم لا يعرفون هذه المصطلحات العلمية ولا يعرفون كيف يطبقونها.

لقد نسوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «النساء شقائق الرجال»، فهم يتعاملون مع المرأة على أساس أنها وعاء للإنجاب فقط، وهكذا أرى أن القنوات الدينية لا تقدم الإسلام بوسطيته، بأخلاقه، برقيّه، بحضارته، بل قاموا بتصدير خشونة اللسان، والتطاول فى اللفظ، وضرب الناس لبعضهم ببعض، والتطاول على الناس بلا علم، كما أن كل حديثهم بعنجهية وبتطاول كبير على الشعب، وهو عار علينا.

وهل كان انتشار بعض هؤلاء الشيوخ أحد أسباب ظهور الملحدين؟
- نعم، وهذا الحديث معلن على جميع الوسائل الاجتماعية، والملحد لم يعد يخجل من إعلان إلحاده، وهذا بسبب هذه القنوات والخطاب الدينى الخشن البعيد عن الدين الذى أخرج أسوأ ما فى هؤلاء الشباب، فالنفس البشرية توجد منها النفس المطمئنة، والنفس الشريرة، فعندما نعنّف الناس ستخرج شخصيتهم المتمردة من داخلهم، فهم طوال الوقت يتحدثون عن العذاب، ويتحدثون عن أن قتلاهم فى الجنة وبقية قتلى الآخرين فى النار، وهذا التوزيع والتقسيم بين الجنة والنار سيحاسبون عليه من الله سبحانه وتعالى لأن هذا يعد تألّها على الله سبحانه وتعالى، فهم أخذوا بسوء أدب ما هو لله، فنحن أصبحنا فى هذا الزمن نملك صكوك جنة وصكوك نار، ندخل من نشاء الجنة ونعتبره شهيدا، وندخل من نشاء النار وهذا يعتبر تألّها على الله تعالى وسوء أدب فهذه القنوات لم تحسن تأهيل المجتمع، ولم تقدم الإسلام كما يحمل من قوة ومن رحمة ومن تفسير ومن قيم.

وبماذا تسمين الدعاة الذين يرفضون التطوير فى قراءة النص؟
- هم جهلة، يفتقرون للأدوات وهذا هو سبب سوء الساحة كلها، فهذه هى المأساة هم لا يملكون أدوات ولا علما، فالعلوم الدينية ليست تأتى بالفهلوة، فهى علوم تأهيلية، ولابد قبل دراستها أن أدرس مؤهلاتى لها، فلم أر فى أى شخص موجود على الساحة حاليا مقومات الاجتهاد، رغم أن الله سبحانه وتعالى ترك الباب مفتوحا ليوم القيامة، لأنه «يبعث الله على رأس كل 100 سنة من يجدد دين هذه الأمة» ولكننا لسنا مجددين، نحن ورثنا نصوصا، وكل شخص يأخذ من هذه النصوص ما يتماشى مع عرفه ومع عاداته ومع تقاليده، ومع موروث ثقافته، دون أن يعرف أن المعرفة الدينية معارف متكاملة كالدائرة، فهذه الآية لها ملحقة أخرى تكملها وهكذا، ولكنهم لا يدركون هذا، هم حفظوا جزءا من النص، ولا يعرفون آليات المنهج العلمى للتوفيق ما بين ما ورد فى الحديث أو فى الآية مع غيرها.

ولهذا قاموا باختيار بعض النصوص بما يتوافق مع ثقافتهم، ومع مصالحهم ومع أمراضهم، فهناك إنسان لديه رغبة فى الاستعلاء فلا يريد من المرأة سوى أن تكون زوجة ووعاء للحمل فقط، فى حين أننا إذا عدنا للقرآن الكريم نجد الآية تقول «إنى جاعل فى الأرض خليفة»، صدق الله العظيم فالله سبحانه وتعالى قال خليفة ولم يحدد رجلا أو امرأة، فالمرأة من الممكن أن تكون أكثر عطاء من الرجل، وهناك الآية التى تقول «إن الله لا يضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى» صدق الله العظيم فالله تعالى ذكر الذكر والأنثى، فهم نسوا كل ذلك ويقولون القوامة، ولا يفهمون أن القوامة تكون فى المنزل عندما يقوم الرجل بتربية أبنائه، والإنفاق عليهم، فهم لديهم ضبابية فى تفكيرهم، وملؤوا الأرض ظلما وجاهلية وأمية، وارتفعوا بنسبة الأمية فى المجتمع المصرى، فالأمية الأبجدية تزيد على نسبة الـ%50 للمرأة، والأمية الثقافية حدّث ولا حرج تزيد على %70.