جريدة النهار المصرية

مقالات

شعبان خليفة يكتب.. شعر عزة الصَدَّاحٌ الفضَّاحٌ

شعبان خليفة
-

بديوانها "أنشودة الكرنك " - شهادة ميلادها الشعرية - لا تحتاج الشاعرة "عزة شرقاوي" المخلوقة من طينة " طيبة " عاصمة مصر القديمة إلي تحليل الـ "دي إن إيه " لإثبات أنها حفيدة الفراعنة فمن الإهداء وحتي آخر سطر شعري في الديوان يطل "اخناتون " و"امنحوتب " و " أحمس "... ولا يغيب العصر الذي هي أيضاً أبنته في مزواجة ملحوظة في قصائدها بين الماضي والحاضر فقد قررت عزة البوح بنسبها منذ الصفحة الأولي وهي تهدي ديوانها ( إلي من زرعوني في حقول الله المنبسطة / ولم ينفوني من ذاكرتهم. /الي أجدادي الأحياء في البر الشرقي والغربي )
ثم هم - أي الأجداد - موجودون في سطور الديوان بل وعنوان قصائده كقصيدة "الي ابتسامة أمنحوتب الرابع " التي تقول فيها (....وأنتَ وحدك في هذا العالم / جالساً تفتح شفتيك / للسماء ِمنتظراً / أحلام المطر ........علَّها تسَّاقط خلف الضبابِ المستميت"/ هي شارةً من خجلٍ حضاري تطوف من بهو الكرنك الي حائط المبكي وعلي /مشارف دجلة والفرات).
ولأن هذه السطور ليست هي قراءتي النقدية للديوان الصادر عن دار " الأدهم " بقدر ما هي انطباعاتي بعد قراءة أولي لما حوي "أنشودة الكرنك " فأني اسجل أن الديوان اعاد لذاكراتي خلاف العقاد الذي كان يتبني المنهج الرومانتيكي في النقد القائل بأن " الشعر تعبير عن العواطف " وبين توماس ستيرنز إليوت الشاعر والمسرحي والناقد الحائزٌ علي جائزة نوبل في الأدب في 1948 و صاحب المقولة الشهيرة المناقضة للمنهج الرومانتيكي والتي يقول فيها " إن الشعر ليس تعبيرا عن العواطف وإنما هو هروب منها " كما ذكرني " أنشودة الكرنك " بالمنهج "البيو جرافي "الذي يصور الشعر باعتباره انعكاساً للسيرة الذاتية للشاعر ومشكلة هذا المنهج تتمثل في تجاهله لأن العمل الادبي قد يجسم احلام الكاتب لا حياته الحقيقة ....ورغم هذا الخلاف بين المنهجين ومن يرفضهما إلا أن كلاهما يقر بأن صاحب العمل الأدبي موجود في عمله سواء بعواطفه أو بالهروب منها وسواء بواقعه أو احلامه ولهذا ربما لم يدهشني الوجود المتكرر في اكثر من قصيدة بالديوان لمترادفات مثل المطر ..الحلم..الوطن ..الأطفال .. والتي تفرض نفسها في عدد من القصائد بل وتصبح عنوانا لها في بعض الأحيان كقصيدة" احلام مبعثرة "فالحلم موجود مذ القصيدة الأولي " مرثيةُ العصفور الحزين " تقول عزة : 
(وفي آخر الحُلم / ستمرُّ ذكري حانية./ ما زال هناك /فجرٌ قد يولدٌ/ علي شُرفةِ الذكريات. )
وفي قصيدة -الحلم تقول عزة :
(ستنبتُ الأرضُ يومًا /سيأتي الربيعُ المرمري /ستخرجُ كلُّ أمٍ تُهدهدُ طفلَها..... / سينهضُ الأطفال/ ليلقوا بعُلبِ الألبان المستوردة / ويتشبثوا بأثداءِ الأمهات / ستزغردُ البناتُ علي شرفاتٍ / تناثرتْ حولها / أوراقُ الكافور المُهملة. / سيغلقُ الصبيةُ كلَّ المتصفحات / ومواقعَ الدردشةِ/ ليخطوا سِفرَ البدايةِ علي تراب الأرصفة. ) وإلي قراءة اعمق واشمل حين تلد المطابع "أنشودة عزة " .