النهار
جريدة النهار المصرية

عربي ودولي

دلالات توقيت الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال ودوافعه الاستراتيجية.. تفاصيل مهمة

نتنياهو
كريم عزيز -

كشفت نهى أحمد، باحثة دكتوراه في العلوم السياسية بجامعة القاهرة، دلالات توقيت الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال ودوافعه الاستراتيجية، موضحة أن الاعتراف جاء في سياق إقليمي ودولي بالغ التعقيد، يتسم بتصاعد التوترات الأمنية في البحر الأحمر، واشتداد المنافسة الدولية في منطقة القرن الأفريقي، إلى جانب تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة وما أفرزته من تحولات في التحالفات الإقليمية.

وذكرت «نحى» في تحليل لها، أن أبرز الدوافع الإسرائيلية للاعتراف بأرض الصومال في هذا التوقيت هي تهجير الفلسطينيين واتفاقيات إبراهام، حيث برز اسم إقليم أرض الصومال مؤخرًا كأحد المواقع المحتملة التي طرحت نظريًا في سياق سيناريوهات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وهو ما منح الإقليم أهمية خاصة في الحسابات السياسية المرتبطة بالحرب الدائرة.

وفي هذا الإطار، حافظت حكومة أرض الصومال خلال العامين الماضيين على موقف إيجابي نسبيًا تجاه إسرائيل، الأمر الذي فتح المجال أمام تكهنات حول وجود قنوات تواصل غير معلنة بين الجانبين، كما أشارت تقارير إعلامية إلى اتصالات أمريكية إسرائيلية مع سلطات الإقليم بشأن احتمالات إعادة توطين فلسطينيين نازحين قسرًا من غزة، غير أن هذه التقارير قوبلت بنفي رسمي من وزير خارجية أرض الصومال. ورغم غياب تأكيدات رسمية، فإن مجرد تداول هذه الطروحات أثار مخاوف سياسية ومجتمعية داخل الإقليم، في ظل الحساسية الشعبية تجاه القضية الفلسطينية، واحتمالات انعكاس مثل هذه السيناريوهات على الاستقرار الداخلي والعلاقات الإقليمية.

وفي سياق أوسع، يُنظر إلى هذا الانفتاح النسبي من جانب أرض الصومال على إسرائيل باعتباره جزءًا من سعي الإقليم إلى توظيف اتفاقيات إبراهام كمدخل لكسر عزلته الدولية، وتعزيز فرص الاعتراف الخارجي، حتى وإن ظل هذا المسار محفوفًا بتحديات داخلية وإقليمية كبيرة، بحسب نهى أحمد.

وضمن الدوافع بحسب الباحثة نهى أحمد الأهمية الجيوستراتيجية لأرض الصومال، حيث يمثل الموقع الجغرافي لإقليم أرض الصومال أحد أبرز عوامل الجذب في الحسابات الإسرائيلية، إذ يقع على مسافة تتراوح بين 300 و400 كيلومتر فقط من السواحل اليمنية، ما يمنحه أهمية استراتيجية كمنصة متقدمة لرصد ومراقبة التهديدات المتزايدة في البحر الأحمر، وتشمل هذه التهديدات نشاط جماعة الحوثي، وامتدادات النفوذ الإيراني، وتصاعد أعمال القرصنة البحرية، فضلًا عن تنامي الحضور الصيني في المنطقة، وانطلاقًا من هذا الموقع، يُتوقع أن تحقق إسرائيل مكاسب أمنية متعددة من التقارب مع أرض الصومال، سواء من خلال تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية، أو عبر ترتيبات أمنية غير مباشرة، مقابل تقديم دعم تنموي وخدمي للإقليم يشمل مشروعات البنية التحتية، ومحطات تحلية المياه، والخدمات الصحية. ويسهم هذا النمط من التعاون في تعزيز القبول المحلي، وتوطيد العلاقات الاقتصادية، ويعكس في الوقت ذاته نموذج الشراكات التي اعتمدتها إسرائيل في إطار اتفاقيات إبراهام، الهادفة إلى تعزيز أمن البحر الأحمر دون استنزاف مواردها الداخلية.

وتبرز مدينة بربرة وميناؤها باعتبارهما محورًا رئيسيًا في هذه المعادلة الجيوستراتيجية، لا سيما في ضوء الاستثمارات الإماراتية الكبيرة التي استهدفت تطوير الميناء وربطه بالممرات التجارية المؤدية إلى إثيوبيا، كما يكتسب الخط الساحلي الطويل للإقليم أهمية متزايدة في مجالات المراقبة البحرية ومكافحة الإرهاب، ما يعزز من القيمة الاستراتيجية لأرض الصومال في توازنات الأمن الإقليمي والدولي، حسبما أكدته نهى أحمد.

وأوضحت أنه من ضمن الدوافع أيضاً تصاعد التنافس الإقليمي في القرن الأفريقي، حيث يأتي الاعتراف الإسرائيلي بإقليم أرض الصومال في إطار التنافس المتزايد بين القوى الإقليمية والدولية على النفوذ في منطقة القرن الأفريقي، التي تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى ساحة تقاطع للمصالح الاستراتيجية الكبرى، وتتجلى مظاهر هذا التنافس في سباق السيطرة على الموانئ الحيوية، وإنشاء القواعد العسكرية، وبناء التحالفات السياسية والأمنية، بما يعكس الأهمية المتنامية للإقليم في معادلات الأمن البحري والتجارة الدولية، وفي هذا السياق، تدير كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين قواعد عسكرية في جيبوتي، بينما تحتفظ تركيا بأكبر قاعدة عسكرية خارجية لها في مقديشو، في حين عززت الإمارات العربية المتحدة حضورها الاقتصادي والأمني في محيط ميناء بربرة، كما أسهمت محاولات إثيوبيا السابقة للحصول على منفذ بحري عبر أراضي أرض الصومال في إثارة توترات إقليمية شملت الحكومة الصومالية وعددًا من الأطراف الإقليمية، من بينها مصر، لما تحمله هذه التحركات من انعكاسات على توازنات النفوذ والأمن في المنطقة.

وعلى هذه الخلفية، أكدت نهى أحمد أن إسرائيل تسعى إلى تثبيت موطئ قدم لها في القرن الأفريقي عبر الاعتراف بأرض الصومال وتطوير علاقات معها، بما يضمن لها حضورًا فاعلًا في معادلات الأمن الإقليمي، وتأمين خطوط الملاحة البحرية، وتعزيز دورها في شبكة التفاعلات السياسية والاقتصادية المرتبطة بالتجارة الدولية.