النهار
جريدة النهار المصرية

عربي ودولي

لماذا يُعد إقليم أرض الصومال بمثابة كنز استراتيجي؟

إقليم أرض الصومال
كريم عزيز -

قال الدكتور حمدي عبدالرحمن، أستاذ العلوم السياسية في جامعتي زايد والقاهرة، إن صوماليلاند تُعد في ظل الترتيبات الإقليمية المتسارعة التي يشهدها الإقليم بمثابة كنز استراتيجي، تمتد أهميتها عبر أربعة أبعاد مترابطة - بحرية وإقليمية واقتصادية وجيواستراتيجية – وهو ما يفسر سبب التدافع عليها من قبل قوى إقليمية فاعلة.

وأوضح «عبدالرحمن» في تحليل له، أنها بحرياً، تحتل صوماليلاند موقعاً بالغ الحساسية على مستوى العالم، فهي تسيطر على 460 ميلاً من الساحل على طول خليج عدن، مما يجعلها البوابة الجنوبية لمضيق باب المندب، الذي يمر عبره ما يقرب من ثُلث التجارة البحرية العالمية سنوياً، بما في ذلك شحنات الطاقة الحيوية من الشرق الأوسط إلى أوروبا وآسيا. ولا يُعد هذا الممر المائي مجرد طريق تجاري، بل نقطة عبور لها تداعيات اقتصادية عالمية، فأي اضطراب طارىء، مثل هجمات الحوثيين منذ أواخر عام 2023، يؤدي إلى ارتفاع أقساط التأمين، وتحويل مسار الشحن بعيداً عن قناة السويس، وخسائر بمليارات الدولارات لسلاسل التوريد العالمية، ولعل ذلك يجعل سيطرة صوماليلاند على سواحلها أمراً ضرورياً لأي استراتيجية تهدف إلى استقرار الأمن في البحر الأحمر.

واقتصادياً، قال الدكتور حمدي عبدالرحمن، إن صوماليلاند توفر لإثيوبيا غير الساحلية طريقها إلى الاستقلال البحري من خلال ميناء بربرة، الذي تم تطويره من قبل شركة موانئ دبي العالمية ليتسع لنحو 500 ألف حاوية سنوياً، ويرتبط عبر خطوط سكك حديدية مقترحة بالداخل الإثيوبي، مما يقلل من اعتماد أديس أبابا الخطير على جيبوتي في جميع تجارتها الدولية تقريباً. ولهذا التنويع في الوصول إلى الموانئ تداعيات عميقة: فقد وقّعت إثيوبيا اتفاقية لمدة 50 عاماً مع صوماليلاند تمنحها حقوق قواعد عسكرية واعترافاً رسمياً مشروطاً بفعالية ميناء بربرة، مما يجعل صوماليلاند مفتاح رؤية إثيوبيا لتصبح قوة بحرية في البحر الأحمر بقدرات بحرية مستقلة.

أما إقليمياً، ذكر أستاذ العلوم السياسية في جامعتي زايد والقاهرة، أن استقرار صوماليلاند - حيث حافظت على سلام نسبي، وأجرت انتخابات ديمقراطية، وأدارت مؤسسات فعالة لمدة ثلاثة عقود - يُعد حالة استثنائية ونموذجاً، يجذب الاستثمارات من دول الخليج وإسرائيل، وبشكل غير رسمي من الولايات المتحدة، الذين ينظرون جميعاً إلى صوماليلاند كشريك أكثر موثوقية من الحكومة الفيدرالية الصومالية الممزقة.

واستراتيجياً، تُعد صوماليلاند، بحسب «عبدالرحمن»، جسراً في الترتيبات الإقليمية الآخذة في التبلور بعد حرب غزة بين إسرائيل وإثيوبيا وبعض الدول العربية، والذي يهدف إلى احتواء النفوذ الإيراني وعمليات الحوثيين في البحر الأحمر.

ولهذا يعكس اعتراف إسرائيل بصوماليلاند تقديراً صريحاً لأهميتها كمنصة لوجستية بحرية، لجمع المعلومات الاستخباراتية، وتنسيق أي عمل عسكري ضد إيران ووكلائها، بحسب الدكتور حمدي عبدالرحمن، مؤكداً في المقابل إمكانية حصول صوماليلاند على التكنولوجيا الإسرائيلية في مجالات الزراعة وإدارة المياه وأمن الموانئ. إضافةً إلى ذلك، تُقدّم صوماليلاند ما سعت إليه الولايات المتحدة طويلاً في المنطقة: احتياطيات من المعادن الحيوية الضرورية لصناعات الدفاع والتكنولوجيا الخضراء، إلى جانب حقوق إقامة قواعد عسكرية تُتيح للولايات المتحدة وجوداً مستقلاً عن ممر جيبوتي المزدحم، حيث تُقيم الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج، وحيث تتصاعد المنافسة الاستراتيجية مع بكين يومياً.

وبالتالي، يعكس اعتراف إسرائيل بصوماليلاند تحولاً أوسع نطاقاً، إذ لم تعد القوى الإقليمية الفاعلة تكتفي بالترتيبات غير الرسمية أو الاعتماد الحصري على الشركاء الحاليين من الدول؛ بل تُراهن على أن تتجاوز مبدأ الاتحاد الأفريقي القاضي بعدم الاعتراف بالدول الانفصالية مهما كانت كلفته الدبلوماسية، لأن موقع صوماليلاند الجغرافي واستقرارها وتوافقها مع المصالح المناهضة لإيران أصبحت ذات قيمة كبيرة لا يُمكن تجاهلها.