النهار
جريدة النهار المصرية

ثقافة

في يومها العالمي.. «العربية بين الذاكرة والمستقبل» على مائدة المجلس الأعلى للثقافة

العربية بين الذاكرة والمستقبل
محمد هلوان -

في إطار احتفالات وزارة الثقافة المصرية باليوم العالمي للغة العربية، وتحت رعاية الأستاذ الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، والأستاذ الدكتور أشرف العزازي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، نُظمت مائدة مستديرة بعنوان «اللغة العربية بين الماضي والحاضر والمستقبل»، عصر الخميس 25 ديسمبر 2025، بقاعة المجلس الأعلى للثقافة.

العربية بين الذاكرة والمستقبل

أدار المائدة الأستاذ الدكتور أحمد بلبولة، عميد كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، فيما تولّت تنسيق الاحتفالية الدكتورة جهاد محمود عواض، أستاذة الأدب المقارن بكلية الألسن – جامعة عين شمس. وشارك في النقاش نخبة من الأكاديميين والمفكرين والمبدعين، هم: الدكتور أبو اليزيد الشرقاوي، والدكتور أبو بكر محمد الديب، والدكتور أيمن صالح، والدكتور خالد كموني، والدكتور صفوت علي صالح، والدكتور محمد نجيب التلاوي، إلى جانب الروائية والقاصة هالة البدري.

اللغة العربية والهوية الإنسانية

في مستهل الجلسة، أكدت الدكتورة جهاد محمود أن اللغة العربية لا تقتصر على كونها وسيلة للتواصل، بل تمثل أداة لفهم الإنسان وعلاقته بالوجود، وتسهم في تشكيل الفكر والفعل والزمن. وأشارت إلى أن النهضة الحقيقية تقوم على الانفتاح الحر بين العقول، والتفكير العلمي المنهجي، بما يحقق التكافل المعرفي والتقدم المستدام، مؤكدة أن العربية تظل ركيزة أساسية في تشكيل الهوية الثقافية للشعوب العربية.

العربية بين الذاكرة والمستقبل

العربية والدستور والسياسة الخارجية

من جانبه، أوضح الدكتور أحمد بلبولة أن الدستور المصري ينص على أن مصر دولة عربية، وأن اللغة العربية هي لغتها الرسمية، وهو ما ينعكس على توجهات السياسة الخارجية المصرية. وأكد أن العربية تمثل جسرًا للتواصل الفكري مع الآخرين، بما تحمله من رصيد حضاري وثقافي، فضلًا عن وجود مفردات عربية مشتركة مع لغات قومية في دول الجوار، بما يعزز الروابط الفكرية ويجعل من العربية أداة للتعايش وتحقيق المصالح المشتركة خارج الحدود.

البعد الفلسفي للغة

وتناول الدكتور خالد كموني البعد الفلسفي للغة العربية، معتبرًا أنها ليست مجرد أداة للتواصل، بل شرطًا للتفكير ذاته ووسيلة لتشكيل الوعي وحماية المعنى في عصر السرعة. وأكد أن الانخراط الواعي في اللغة يمثل مقاومة لتبسيط الفكر، ويعزز المسؤولية الأخلاقية والوجودية للإنسان، محذرًا من اختزال اللغة في بعدها الوظيفي على حساب بعدها التأملي.

العربية والذكاء الاصطناعي

بدوره، ناقش الدكتور أبو بكر محمد الديب موقع اللغة العربية في عصر الذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى أن التحول الرقمي يضع العربية أمام اختبار حقيقي يتطلب بناء قواعد بيانات لغوية دقيقة، وتطوير خوارزميات قادرة على فهم السياق والدلالة. وأكد أن ضعف حضور العربية رقميًا لا يعكس قصورًا ذاتيًا في اللغة، بل ضعفًا مؤسسيًا في دعمها تقنيًا. كما استعرض الدور التاريخي للعرب والمسلمين في تطوير الآلات ذاتية الحركة منذ القرن التاسع الميلادي، معتبرًا ذلك إرثًا علميًا مبكرًا لمبادئ الذكاء الاصطناعي.

تحديات التعليم والقراءة

وفي السياق ذاته، حذر الدكتور أيمن صالح من تراجع القراءة باللغة العربية لصالح اللغات الأجنبية، مشيرًا إلى مظاهر مقلقة، من بينها ضعف قدرة بعض الطلاب على قراءة اللافتات العامة. وأكد أن هناك تحديات تمس الهوية الثقافية، منها تدريس التاريخ في بعض المدارس الدولية بصورة منزوعة السياق، وغياب العربية عن التواصل الأسري، داعيًا إلى تعزيز حضور اللغة في البيت والمدرسة معًا.

الإبداع والطفل والهوية

من جانبها، تحدثت الروائية هالة البدري عن تأثير الرسوم المتحركة والأفلام الأجنبية على الأطفال، مؤكدة أن التعرض المبكر للغة أجنبية قبل إتقان العربية يشكل تهديدًا للهوية الثقافية. ودعت إلى إنتاج محتوى عربي موجه للأطفال يتمتع بجودة فنية عالية، ويحمي القيم الثقافية، مشددة على أن الإبداع السردي هو المجال الأرحب لاختبار حيوية اللغة وقدرتها على التجدد.

اللسانيات والتحديث

وتناول الدكتور صفوت علي صالح أهمية الدراسات اللسانية الحديثة في تطوير تعليم العربية، موضحًا أن الجمع بين التراث النحوي والمقاربات اللسانية المعاصرة يمثل مدخلًا علميًا لمعالجة تراجع الكفاءة اللغوية. وأشار إلى أن الدولة المصرية انتقلت من مرحلة حماية اللغة إلى مرحلة تمكينها رقميًا، حيث أصبح حضور العربية واضحًا في منظومة التحول الرقمي والخدمات الرسمية.

الأدب وتجدد اللغة

كما أكد الدكتور محمد نجيب التلاوي أن الأدب ظل الحاضن الأكبر لتجدد اللغة العربية عبر العصور، مشيرًا إلى أن العامية امتداد طبيعي للفصحى، وأن تنوع المستويات اللغوية في الرواية ضرورة فنية. وانتقد الهجوم على اللغة من داخلها، معتبرًا ذلك امتدادًا لمحاولات قديمة لضرب الهوية، متسائلًا: ماذا يتبقى من عروبة العرب إذا فقدوا لغتهم الفصحى؟

العربية بين المرونة والاستعمال

وتناول الدكتور أبو اليزيد الشرقاوي المسار التاريخي للغة العربية، مؤكدًا أن استمرارها يعود إلى مرونتها البنيوية وقدرتها على الامتصاص والتجدد، وأن الحديث عن «أزمة العربية» هو في جوهره أزمة استعمال اجتماعي وثقافي، لا أزمة لغة. وطالب بتحديث مناهج اللغة العربية، بما يجعلها أكثر تحفيزًا للفهم والتفكير النقدي والإبداعي.

توصيات المائدة

وفي ختام المائدة، أعلنت الدكتورة جهاد محمود توصيات المشاركين، والتي شملت:

  • تطوير مناهج اللغة العربية بما يعزز التفكير النقدي والإبداعي.

  • توحيد مناهج اللغة العربية والتاريخ باعتبارهما جزءًا من الأمن القومي.

  • تكليف خبراء اللغة بالإشراف على المحتوى التعليمي.

  • إقرار منظومة تشريعية وطنية لتمكين اللغة العربية.

  • إنتاج محتوى ثقافي وتعليمي جذاب للأطفال مرتبط بالتراث والسرديات العربية.

  • دمج التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي في تعليم العربية.

  • تعزيز التعليم الفطري لدى النشء وربطه بالجهود الوطنية لدعم اللغة.

وأكد المشاركون في ختام أعمال المائدة أن اللغة العربية ليست كيانًا تراثيًا جامدًا، بل مشروع ثقافي مفتوح على المستقبل، يتطلب رؤية استراتيجية تجمع بين التعليم والتقنية والإبداع، بما يضمن استمرار العربية لغةً للفكر والهوية والمعرفة.