دار الكتب تستعيد سيرة درية شفيق.. أيقونة تحرر المرأة والوطن من النيل إلى البرلمان

في إطار توجه وزارة الثقافة المصرية لإعادة الاعتبار للرموز الوطنية المؤثرة في الوعي العام، نظّمت الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية ندوة احتفالية كبرى لتكريم رائدة الحركة النسوية والمناضلة الوطنية درية شفيق، بحضور أفراد من أسرتها، وتحت رعاية معالي وزير الثقافة الأستاذ الدكتور أحمد فؤاد هنو.
وجاءت الفعالية بتنظيم من مركز تاريخ مصر التابع للإدارة المركزية للمراكز العلمية، برئاسة الدكتور أشرف قادوس.
الجلسة الافتتاحية
افتتحت الندوة الأستاذة الدكتورة إلهام ذهني، مقرر الندوة، مؤكدة أن الاحتفاء بدرية شفيق يأتي إيمانًا بضرورة تسليط الضوء على الشخصيات التي صنعت تحولات حقيقية في التاريخ السياسي والاجتماعي المصري. وأشارت إلى أن شفيق، رغم حصولها على الدكتوراه من جامعة السوربون، ظلت متجذرة في هويتها المصرية، وهو ما تجلّى في توظيفها الدائم لمفهوم «النيل» رمزًا للانتماء والهوية في فكرها ومشروعاتها.
وأضافت أن درية شفيق تمثل حلقة ذهبية في سلسلة كفاح المرأة المصرية، مستعرضة أبرز محطات نضالها الوطني، من تأسيس فرقة نسائية لمقاومة المعسكرات البريطانية، إلى اقتحام البرلمان عام 1951 دفاعًا عن حق المرأة في المشاركة السياسية. واختتمت كلمتها بالترحيب بأسرة الراحلة، ومنهم ابنتاها الأستاذة الدكتورة عزيزة اللوزي، والأستاذة الدكتورة جيهان رجائي، وحفيدتها السيدة نازلي.
أعقب ذلك كلمة الأستاذ الدكتور أحمد زكريا الشلق، مقرر اللجنة العلمية، ثم عُرض فيلم وثائقي وثّق المسيرة الفكرية والنضالية للراحلة.
الجلسة العلمية الأولى
عُقدت الجلسة الأولى برئاسة الأستاذ الدكتور أحمد الشربيني، واستهلتها الأستاذة الدكتورة إيمان عامر، التي وصفت درية شفيق بأنها ظاهرة نضالية متكاملة، جمعت بين الفكر والعمل الميداني، واستحضرت قولها الشهير داخل البرلمان: «نحن هنا بقوة حقنا».
وتناول الدكتور محمد محروس غزيل مفهوم الهوية المصرية في فكر شفيق، موضحًا أنها جعلت من النيل عنوانًا لمؤسساتها ورؤيتها، وسعت إلى التوفيق بين الحضارتين الشرقية والغربية مع التمسك بالثقافة الأصيلة، معتبرةً المواطنة والعدالة جوهر الشخصية المصرية.
من جانبها، قدّمت الدكتورة ميرفت علي عمر ورقة بعنوان «ثورة النص والحياة»، تناولت فيها تجربة شفيق الشعرية، وريادتها في الشعر الحر، مشيرة إلى التناص المأساوي مع «جحيم دانتي»، بوصفه انعكاسًا لحالة العزلة والإقامة الجبرية التي فُرضت عليها.
واختتمت الأستاذة نهال خلف الميري الجلسة بالحديث عن مجلة «بنت النيل»، مؤكدة أنها لم تكن مجرد مطبوعة نسوية، بل منبرًا ثقافيًا لتصحيح المفاهيم الخاطئة حول المرأة، وأداة فاعلة لتحرير الوعي المجتمعي.
الجلسة العلمية الثانية
ترأس الجلسة الثانية الدكتور أشرف مؤنس، وافتتحها الأستاذ الدكتور نبيل السيد الطوخي، الذي قدّم قراءة في كتاب «المرأة المصرية»، موضحًا أن درية شفيق وثّقت فيه تاريخ نضال المرأة منذ العصور الفرعونية، وقدّمت أدلة فكرية تؤكد أن الإسلام لا يتعارض مع حقوق المرأة السياسية والاجتماعية.
ثم تحدثت الدكتورة دينا عبد الحميد عن تجربة اتحاد بنت النيل، مشيرة إلى دوره في محو أمية آلاف النساء عبر نحو 80 مركزًا، فضلًا عن تصديه لقضايا الزواج والإرث، باعتباره نموذجًا لحزب نسائي مستقل يسعى لتغيير الواقع.
واختتمت الدكتورة ميرفت فؤاد عبد المعطي المداخلات بتسليط الضوء على اهتمام شفيق بالطفل من خلال مجلة «الكتكوت» وبرنامج «بابا شارو»، مؤكدة أن هذه التجربة مثّلت ريادة مبكرة في غرس قيم الهوية الوطنية والشجاعة في وجدان الطفل المصري.
ختام الندوة
وأكد المشاركون في ختام الندوة أن درية شفيق رحلت جسدًا، لكنها تركت إرثًا نضاليًا وفكريًا وأدبيًا خالدًا، يبرهن على أن نهضة المجتمع لا تتحقق إلا بمشاركة حقيقية للمرأة، بوصفها ركيزة أساسية لكل تقدم وطني.

