النهار
جريدة النهار المصرية

فن

سمية الألفي.. سيدة الحضور الهادئ، أحبت بصدق ورحلت في صمت

ياسمين عبدالرسول -

قلب ثابت في عالم متقلب، وصوت هادئ ترك أثرًا خالدًا في ذاكرة الفن المصري، لم تكن من النساء اللواتي يرفعن المشاعر ليراها الجميع، بل أحبّت كما تعيش: بهدوء، وبإخلاص لا يطلب اعترافًا. حين دخل فاروق الفيشاوي حياتها، لم تنظر إليه كنجم صاعد، فقد أحبته كرجل تشاركه الحلم والقلق والبدايات، آمنت به، وكانت بجواره لا كظلّ، بل كقلب ثابت في عالم متقلّب.

كانت قصة حبها به أقرب إلى الحكايات لا الحياة الحقيقية؛ لا تكتمل دائمًا، لكنها صادقة. تحملت ما تحمله العلاقات الطويلة ، وصبرت على ما لا يُقال، فضّلت الصمت؛ لم تستخدم يومًا حياتها مادة للظهور، ولم تساوم بعلاقتهما على حضور إعلامي، جعلت من الإخلاص قيمة ثابتة، لا موقفًا مؤقتًا.

الميلاد والبدايات الفنية

سمية الألفي الضوء حين يحضر، ناعمًا، دون ادّعاء. وُلدت في منتصف أربعينيات القرن العشرين، ونشأت في زمن كانت فيه السينما المصرية تُنصت للوجوه الصادقة أكثر مما تبحث عن الضجيج.

دخلت عالم الفن في بدايات السبعينات، حين كانت الشاشة تحتفي بالحكايات البسيطة والعمق الإنساني، فوجدت لنفسها مكانًا طبيعيًا بين أبطال الحكايات اليومية. لم تصرخ لتُسمَع، ولم تبالغ لتُرى، لكنها كانت حاضرة دائمًا. قدّمت المرأة كما هي: أمًا تخاف، زوجة تصبر، وأنثى تجمع بين الرقة والقوة، في أداء مؤثر يترك أثرًا على المشاهد.

أبرز المحطات الفنية

قدّمت سمية الألفي عددًا من الأعمال السينمائية والدرامية التي رسّخت حضورها الفني، من أبرزها:

  • عندما يبكي الرجال
  • الطوفان
  • المجهول
  • علي بيه مظهر و40 حرامي

كما شاركت في مسلسلات اجتماعية خلال مسيرتها الفنية، ناقشت خلالها قضايا الأسرة والمرأة والعلاقات الإنسانية، مؤكدة على قدرتها على التعبير عن الشخصيات الواقعية بكل صدق وإحساس، من أبرزها:

  • الراية البيضا
  • بوابة الحلواني
  • ليالي الحلمية
  • رحلة المليون

الحياة الشخصية والخصوصية

رغم ارتباطها بواحد من أكثر نجوم جيلها حضورًا، ظلت سمية الألفي بعيدة عن صخب العلاقات الفنية. لم تدخل في مهاترات، ولم تفتح دفاترها على الشاشات. حتى حين تعرّضت حياتها الخاصة لهزّات، اختارت الاحتفاظ بما تبقّى من الود، وترك التفاصيل في مكانها الطبيعي: خارج الضوء.

كانت أمًا قبل أن تكون فنانة، وسندًا لابنيها أحمد وعمر، ارتبط اسمها بالنجم أحمد الفيشاوي ليس كونه نجم ولكن كونه إبن لها يحتاج دعمها الدائم ؛ فكانت له أمًا قبل أن تكون فنانة، وسندًا لا يراه الجمهور لكنه كان حاضرًا في كل خطوة.

مواقفها وسماتها الإنسانية

ارتبط اسم سمية الألفي بعدد من المواقف التي جسدت هدوء شخصيتها ووعي اختياراتها طوال حياتها. حرصت دائمًا على الفصل بين حياتها الخاصة ومسيرتها الفنية، رافضة أن تتحول تفاصيل أسرتها إلى مادة إعلامية. وعندما شعرت أن استمرار حضورها على الشاشة لم يعد يضيف إلى مسيرتها، اتخذت قرار الابتعاد عن الساحة الفنية بإرادتها، مفضلة الغياب الهادئ على الحضور بلا جديد.

في سنواتها الأخيرة، واجهت المرض بصبر وكرامة، دون أي ظهور إعلامي أو طلب للتعاطف، محافظة على المبادئ التي آمنت بها منذ البداية: أن الفن يُقاس بصدق الأداء لا بعدد الأعمال، وأن الكرامة جزء لا يتجزأ من المسيرة الفنية.

الابتعاد والرحيل

مع بداية الألفية الثالثة، بدأت مشاركاتها الفنية تقل تدريجيًا، ثم ابتعدت تمامًا عن الأضواء، مفضلة حياة هادئة بعيدًا عن الصخب. واليوم في الـ 20 من ديسمبر 2025، أسدل الستار عن فنانة هادئة ناعمة .

برحيل سمية الألفي، لم تُغلق صفحة من تاريخ الفن المصري، بل استقرّت في ذاكرة الجمهور كواحدة من أولئك الذين تركوا بصماتهم بصمت، امرأة أحبّت بصدق، ورحلت دون ضجيج؛ لتؤكد أن القلوب لا تحتاج إلى تصفيق كي تُخلَّد، يكفيها الإخلاص، ليبقى الأثر.