حرية الفن في مواجهة الغضب المحافظ.. متحف فيينا تحت نيران الاحتجاج بسبب أعمال دينية مثيرة للجدل
يواجه أحد أبرز متاحف الفن المعاصر في فيينا موجة من الغضب والاحتجاجات من جماعات دينية محافظة، على خلفية عرض أعمال فنية تتناول الرموز المسيحية من زوايا نقدية ونسوية ومثلية، في أزمة أعادت إلى الواجهة الجدل الدائم حول حدود حرية التعبير الفني واحترام المقدسات الدينية.
المعرض المقام في متحف «كونستلرهاوس» للفن المعاصر يحمل عنوان «لا تصنع لك تمثالاً»، وهو مستوحى من الوصية الواردة في العهد القديم التي تحظر عبادة الأصنام. ويضم المعرض أعمالًا لأكثر من 30 فنانًا معاصرًا من أسماء عالمية بارزة، من بينهم مارتن كيپينبيرغر، وأندريس سيرانو، وفالي إكسبورت، ومارينا أبراموفيتش، وريناته بيرتلمان، حيث يسعى المعرض إلى تفكيك الأيقونات المسيحية واستكشاف التجربة الدينية بأساليب تتراوح بين السخرية والمواجهة الصادمة.

ورغم الجدل المثار، أكد مدير المتحف، غونتر أوبرهولينزر، أن المعرض، الذي افتُتح في أواخر أكتوبرويستمر حتى 8 فبراير2026، حظي بإشادة واسعة من الجمهور ووسائل الإعلام، فضلًا عن دعم عدد من الشخصيات الدينية البارزة. وأشار إلى أن المعرض نال تأييد هيرمان غليتلر، أسقف إنسبروك، وتوني فابر، كاهن كاتدرائية فيينا.
ووصف الأسقف غليتلر، في منشور له عبر حسابه على «إنستغرام»، تنوع الأعمال المعروضة بأنه «شهادة على سعي دؤوب للبحث عن العدالة والاقتراب من سر الله بطرق معاصرة»، معتبرًا أن الفن يمكن أن يكون مساحة للتأمل الروحي والنقد الذاتي.
وأوضح أوبرهولينزر، في حديث لصحيفة «دير ستاندارد» النمساوية، أنه تلقى عددًا من الرسائل الإلكترونية المنتقدة للمعرض، إلا أنها كانت في معظمها «متزنة ومبنية على نقاش جاد»، مشيرًا إلى أنه حرص على الرد عليها وتوضيح أهداف المعرض وسياقه الفني.
غير أن حدة الجدل تصاعدت بعد دخول الجمعية النمساوية لحماية التقاليد والأسرة والملكية الخاصة على الخط، حيث أطلقت عريضة إلكترونية تطالب بإغلاق المعرض فورًا، متهمة الأعمال المعروضة بالتجديف والإساءة للمقدسات.

وردّ مدير المتحف ورئيسة «كونستلرهاوس»، تانيا بروشنيك، في بيان مشترك صدر مطلع ديسمبر، مؤكدين رفضهما القاطع لدعوات الإغلاق، ومشددين على أن حرية الفن مبدأ دستوري في النمسا، يشكّل ركيزة أساسية للثقافة الديمقراطية، ويسهم في تعزيز التفكير النقدي في المجتمع، ويحظى بدعم مؤسسات الدولة.
وفي الثامن من ديسمبر، نظمت جماعة محافظة وقفة احتجاجية أمام مبنى المتحف تحت مسمى «صلاة كفارة»، رافعين لافتات تطالب بوضع حد لما وصفوه بالكفر في الأعمال الفنية.
وكانت لوحة «فريد الضفدع يدق الجرس» (1990) للفنان مارتن كيپينبيرغر من أكثر الأعمال إثارة لغضب المحتجين، إذ يظهر فيها الفنان في هيئة ضفدع كرتوني مصلوب. ويُذكر أن هذه اللوحة أثارت جدلًا واسعًا عند عرضها سابقًا في إيطاليا عام 2008، وأدانها آنذاك البابا بنديكت السادس عشر. كما أثار عمل الفنانة أنوك لام «أحد غريب/قضيب مريم رقم 43» (2024) اعتراضات حادة، حيث تُجسَّد فيه مريم العذراء كامرأة متحولة جنسيًا.

وأشار أوبرهولينزر إلى أن الفنانة ديبورا سينغل كانت من بين أكثر المتضررين من الحملة، حيث تلقت رسائل إلكترونية غاضبة، كما أُلغي معرض آخر كان مقررًا لها. ويُجسد عملها النحتي «من الخراف والذئاب» (2008) كاهنًا برأس ذئب، في قراءة نقدية لنفاق السلطة واستغلال الدين داخل المؤسسات الدينية.
ولفت مدير المتحف إلى أن الفنانات تعرضن لاستهداف خاص، معتبرًا أن أعمالهن غالبًا ما تُقابل بعداء أكبر لأنها تنتقد البنية الأبوية للنظرة المسيحية التقليدية من منظور نسوي معاصر.
وتأتي هذه الأزمة في سياق متوتر شهدته الساحة الثقافية النمساوية مؤخرًا، إذ تعرض عمل فني للفنانة إستر شتراوس للتخريب العام الماضي داخل كاتدرائية لينز، بعدما قام مجهولون بقطع رأس تمثال يصوّر مريم العذراء أثناء الولادة. واعتبرت الفنانة حينها أن الهجوم يعكس رفضًا مستمرًا لحق المرأة في التحكم بجسدها.
وفي تطور موازٍ، تعرّض معرض فني معاصر آخر لهجوم تخريبي داخل كنيسة يسوعية بفيينا نهاية الأسبوع الماضي، حيث حُطمت أربع خزائن عرض تحتوي على أعمال محنطة للفنان فرانزيسكوس غرونر. ووصف الكاهن اليسوعي غوستاف شورغوفر، قسيس الفنانين، الحادث بأنه «عمل عدواني ينم عن عنف غير مبرر».
ورغم عدم ثبوت وجود صلة مباشرة بين الحادثين، أشار أوبرهولينزر إلى أن المناخ العام بات مشحونًا إلى درجة تدفع البعض إلى مهاجمة الأعمال الفنية داخل الكنائس نفسها، في تعبير مقلق عن تصاعد التوتر بين الفن المعاصر والتيارات الدينية المحافظة.

