النهار
جريدة النهار المصرية

عربي ودولي

معركة تمويل أوكرانيا تشعل الصراع بين قادة أوروبا.. ماذا يدور في الكواليس؟

الرئيس الأوكراني
كريم عزيز -

توصل قادة الاتحاد الأوروبي أخيرًا لاتفاق تمويل أوكرانيا، بعد 16 ساعة من المفاوضات الماراثونية، لكن النتيجة النهائية جاءت مغايرة تمامًا للخطة الأصلية، فبدلًا من استخدام الأصول الروسية المُجمَّدة، كما كان مخططًا، اعتمد الاتفاق على الاقتراض المشترك للاتحاد، رغم رفض ثلاث دول التوقيع عليه، ورصدت صحيفة «بوليتيكو»، مَن خرج منتصرًا، ومَن دفع ثمن هذه القمة المصيرية.

ونجح رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي ويفر في تقديم درس بارع في فن المقاومة السياسية، إذ ظل لأسابيع الصوت المعارض الوحيد لاستخدام الأصول الروسية المُجمَّدة، محذرًا من تعريض بلاده لانتقام روسي محتمل، وبحسب «بوليتيكو»، استخدم دي ويفر تكتيكًا ذكيًا بإظهار الاستعداد للتفاوض طوال اليوم مع مسؤولي المفوضية الأوروبية، قبل أن يطرح مطلبًا بدعم غير محدود السقف من الدول الأخرى، وهو ما اعتبره الجميع مستحيلًا، ليصبح الاقتراض المشترك الخيار الوحيد المتاح رغم عدم حماس أحد له.

أما رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، فكانت صانعة القرار الحقيقية في هذه القمة، إذ أوضحت بوليتيكو أنها تحكمت بإيقاع المفاوضات حول اتفاقية التجارة بين الاتحاد وتكتل ميركوسور، واختارت بدقة توقيت تدخلها في ملف تمويل أوكرانيا، وكشف دبلوماسيون أوروبيون لـ«بوليتيكو» أن ميلوني لم تأخذ الكلمة خلال الجزء الأول من القمة، بل تركت الآخرين يستنزفون خياراتهم، قبل أن تتدخل بلطف في وقت متأخر من الليل لتحسم الاتفاق بعدما كانت خطة الأصول المُجمَّدة سقطت بالفعل.

حقق رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا إنجازًا بدا مستحيلًا، وهو إنهاء القمة في يوم واحد فقط، بينما كان معظم القادة يستعدون ليوم ثانٍ أو حتى نهاية الأسبوع، ونوهت «بوليتيكو» إلى أن كوستا -على عكس نظيره في مقر المفوضية- لم ينحز لخيار واحد بل ظل محلقًا فوق الصراع، وهو ما مكّنه من إتمام الاتفاق.

وفي تحليل لافت، أشارت بوليتيكو إلى أن جميع الأطراف المعنية بالحرب خرجوا بمكاسب رغم غرابة الأمر، فالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حصل على الأموال التي يحتاجها، وأوروبا أوفت بوعدها لدعم أوكرانيا، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن تُستخدم أصوله المُجمَّدة ضده، بينما احتفظ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخيار استخدام تلك الأصول كورقة ضغط في أي صفقة سلام مستقبلية.

في المقابل، عاش المستشار الألماني فريدريش ميرز أسوأ قمة أوروبية في مسيرته، إذ تلقى ضربتين قاسيتين خلال ساعات، أولها كان تأجيل اتفاقية ميركوسور، والأهم إفشال خطة استخدام الأصول المُجمَّدة التي دافع عنها بشراسة، وأوضحت «بوليتيكو» أن ألمانيا وحلفاءها الشماليين أصروا لأسابيع على أن الأصول المُجمَّدة هي الخيار الوحيد المطروح، مدعين استحالة الاقتراض المشترك بسبب حاجته للإجماع وفيتو المجر، لكن النتيجة أثبتت العكس تمامًا.

وذكرت الصحيفة أن ميرز وضع رقبته على المحك بالسفر شخصيًا إلى بروكسل لمساعدة أورسولا فون دير لاين في الضغط على دي ويفر، إضافة لكتابة عدة مقالات رأي عن فوائد استخدام الأصول المُجمَّدة، لتكون النتيجة تذكيرًا بأن المستحيل في بروكسل غالبًا يعني فقط غياب الإرادة السياسية حتى الآن، وفي نفس المعسكر، سقطت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين هي الأخرى في المعركة ذاتها، رغم أن فريقها أعد خيارات بديلة مسبقًا.

وأشارت الصحيفة إلى أنها فتحت الباب أخيرًا أمام الاقتراض المشترك في خطاب ألقته بستراسبورج الأربعاء الماضي، لكن كان الأوان قد فات لتنسب لنفسها الفضل في الاتفاق، إذ كان الزخم قد انتقل بالفعل وآخرون يقودون المشهد، وابتعدت رئيسة الوزراء الدنماركية ميته فريدريكسن، التي تتولى بلادها الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي، عن المعركة التي قادتها ألمانيا علنًا، لكنها دعمت بصمت مع الكتلة الشمالية الأوسع رواية «الخيار الوحيد المتاح».

وبحسب «بوليتيكو»، عاد للظهور الخط الفاصل المألوف بين المقتصدين والمؤيدين للاقتراض المشترك، لكن هذه المرة عبر نزاع حول استخدام الأصول الروسية المُجمَّدة، وفي النهاية انتصر معسكر واحد بوضوح، أما المجر وسلوفاكيا والتشيك، فحققت الدول الثلاث فوزًا قصير المدى وماليًا بالأساس، إذ تجنبت الالتزام المباشر بإرسال أموال لأوكرانيا، إلا أن بوليتيكو حذرت من أن هذا الانتصار قد يكون مكلفًا، فالأموال ستتدفق على أي حال، وهذه الخطوة تدفعهم أكثر نحو وضع المنبوذين داخل الاتحاد الأوروبي، مع بقاء السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت ستكون هناك تداعيات من بقية دول الاتحاد.