د. أحمد زايد ..مشروع مراد وهبة الفكري سيظل قائما

استضافت مكتبة الإسكندرية جلسة بعنوان «شهادات عن الدكتور مراد وهبة»، ضمن فعاليات الاحتفالية التي أقيمت تحت شعار «مئوية الدكتور مراد وهبة.. الصوت الحاضر»، اليوم الأربعاء، بمشاركة نخبة من المفكرين والأكاديميين، وأدارت الجلسة الكاتبة الصحفية إيمان رسلان.
وأكدت إيمان رسلان أن الدكتور مراد وهبة كان من أبرز المدافعين عن بقاء مادة الفلسفة في المناهج التعليمية ورفض قرار إلغائها خلال فترة تولي كمال الدين حسين وزارة التعليم، مشيرة إلى أنه قاد حملة فكرية موسعة أسهمت في التراجع عن القرار، كما شغل منصب المستشار العلمي للرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
وأوضحت الدكتورة صفاء عبد العزيز، أستاذ أصول التربية بجامعة الزقازيق ونائب رئيس الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد سابقًا، أن الدكتور مراد وهبة كان له تأثير بالغ في مسيرتها الأكاديمية، معتبرة إياه نموذجًا للمفكر والأستاذ والقدوة، مشيرة إلى أنه أتاح لطلابه حرية التعبير وعلّمهم جوهر التفكير الفلسفي القائم على الشمول والاتساق والعمق وضرورة استمرار العقل في البحث والتساؤل.
وأشار الدكتور حسن حماد، أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة الزقازيق، إلى أن الاحتفاء بمراد وهبة يحمل دلالات هامة خاصة في ظل ما يمر به العالم العربي من تشرذم وتفتيت وهيمنة الفكر السلفي على المجال العام، مؤكدًا أن استعادة مشروعه الفكري لا يجب أن تقتصر على إعادة نشر كتبه بل تستلزم النزول إلى الشارع ومخاطبة المجتمع بأكمله لا النخب وحدها.
وأكد الدكتور أنور مغيث، أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة بجامعة حلوان، أن مراد وهبة نجح بجهده الشخصي في أن يكون صوت الفلسفة في مصر، موضحًا أن الفلسفة عنده كانت دعوة للتعايش السلمي وأفكارًا وصلت إلى مختلف مكونات المجتمع وأسهمت في ترسيخ قيم الحوار والعقلانية.
وأوضح الدكتور كمال نجيب، أستاذ التربية بجامعة الإسكندرية، أن العقل لدى مراد وهبة كان أقوى من أي أيديولوجيا، وهي سمة نادرة، مؤكدًا أن العقل شكّل لديه أساس كل شيء وأن المجتمعات المتأخرة هي التي تفقد قدرتها على التفكير وتحتاج إلى التنوير، ومضيفًا أن "وهبة" كان مثالًا فريدًا في احترام الحرية وممارستها مع تلاميذه إيمانًا بأن الفلسفة موقف وشجاعة في طرح الأفكار.
وأكدت هند محمد أحمد، مترجمة اللغة الصينية وعضو رواد ملتقى ابن رشد، أنها تعرّفت على فكرة الملتقى من خلال لقاء تلفزيوني للدكتور مراد وهبة وبدأت المشاركة في جلساته ما أسهم في تشكيل وعيها ومسار حياتها، قائلة: "الفلسفة ليست ترفًا فكريًا والجمود الفكري هو أخطر آفات العصر".
كما عُقدت الجلسة الثالثة تحت عنوان "حوار حول إسهامات الدكتور مراد وهبة"، وأدارها الأستاذ الدكتور أحمد عبد الله زايد، مدير مكتبة الإسكندرية، وشارك فيها الدكتور مجدي عبد الحافظ، أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة حلوان، والدكتور أشرف منصور، رئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، والدكتور سعيد توفيق، أستاذ علم الجمال والفلسفة المعاصرة بكلية الآداب جامعة القاهرة، والكاتب الصحفي طه فرغلي، رئيس تحرير "دار الهلال".
وأكد الدكتور أحمد عبد الله زايد أن الفلسفة تمثل المدخل والمنتهى لكل فكر نظري في العلوم الاجتماعية، مشيرًا إلى أن الأفكار الكبرى لا تزول بزوال أصحابها، بل تبقى حاضرة ومؤثرة عبر الزمن، وأن مشروع مراد وهبة الفكري سيظل قائمًا بما يحمله من قدرة على التجدد والاستمرار.
وأوضح الدكتور سعيد توفيق، أستاذ علم الجمال والفلسفة المعاصرة، أن مفتاح شخصية الدكتور مراد وهبة كان الضمير والشجاعة، لافتًا إلى أن "المعجم الفلسفي" الذي أنجزه يُعد مرجعًا أساسيًا لا غنى عنه حتى اليوم، ومضيفًا أن "وهبة" لم يكن فيلسوفًا أكاديميًا فحسب بل مفكرًا سياسيًا واجتماعيًا سعى إلى تفسير الواقع وتحليله وهو ما جعله حالة فكرية متفردة في المشهد الفلسفي العربي.
وأشار الدكتور مجدي عبد الحافظ، أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة حلوان، إلى أن مراد وهبة مثّل نموذجًا مغايرًا لأستاذ الفلسفة التقليدي إذ لم يتعامل مع الفلسفة بوصفها معرفة جامدة أو معزولة عن الحياة بل ارتبطت لديه بالشارع وبقضايا المجتمع وشعر بمسئوليته تجاه الواقع فكان حاضرًا في الفعاليات والمؤتمرات العامة، مؤكدًا أن احتفاءه بابن رشد كان في جوهره احتفاءً بقيم التنوير والإصلاح الديني.
وأوضح الدكتور أشرف منصور، رئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، أن مراد وهبة أعاد اكتشاف فكر ابن رشد في لحظة صعود التيارات السلفية والأصولية في مصر، معتبرًا أن هذا الفكر كان الأقدر على مواجهة هذا المد.
وأضاف أن مؤلفاته تتيح تحليلات سوسيولوجية دقيقة لبدايات هذا التيار وتحدياته، مشيرًا إلى اهتمامه الدائم بتعريف المصطلحات، وتمييزه بين "المذهب المغلق" و"المذهب المفتوح" وإلى أن الفصل بين الدين والدولة كان لديه نتيجة طبيعية للفكر العلماني.
وأكدت إبتهال عبد الوهاب، كاتبة ومدير مؤسسة إبداع، أن مراد وهبة يُعد أحد أبرز رموز التنوير في مصر والعالم العربي منذ أكثر من نصف قرن إذ آمن بأن التنوير ضرورة لا رفاهية واختار منذ البداية الانحياز إلى الحرية والنقد والعقلانية والتغيير.
واعتبرت أن دعوته إلى تحرير العقول باتت أكثر إلحاحًا في عالم اليوم حيث تتمثل المعركة الأساسية في طريقة التفكير والتعامل مع الواقع لا في الواقع ذاته، مشيرة إلى أن الاحتفالية لا تمثل مجرد تكريم بقدر ما هي دعوة لفهم الحاضر واستعادة مسار طويل من المقاومة العقلية.
ومن جانبه، أكد الكاتب الصحفي طه فرغلي، رئيس تحرير "دار الهلال"، أن الدكتور مراد وهبة يمثل حالة فكرية استثنائية لفيلسوف عاش سنوات طويلة من العلم والكفاح والثبات على المبدأ، وأن دار الهلال احتفت به باعتباره "فيلسوف وابن رشد العصر الحديث" في أعرق مجلاتها الثقافية.
ودعا إلى اعتبار عام 2026 عامًا لمراد وهبة تزامنًا مع مئويته، مشددًا على أهمية إعادة نشر كتبه وجمع مقالاته التي نُشرت في مجلتي "المصور" و"الهلال" حفاظًا على تراثه الفكري وإتاحته للأجيال الجديدة.

