النهار
جريدة النهار المصرية

المحافظات

مكتبة الإسكندرية تستضيف ”الإسكندر الأكبر.. العودة إلى مصر”

هالة ياقوت -

استضافت مكتبة الإسكندرية ندوة بعنوان "الإسكندر الأكبر.. العودة إلى مصر"، اليوم السبت، بحضور الأستاذ الدكتور أحمد زايد، مدير مكتبة الإسكندرية، والسيد نيكولاوس باباجورجيو، سفير اليونان لدى مصر، والسيد بافلوس تروكوبولوس، مدير المختبر التجريبي بفيرجينا، والفريق أحمد خالد، محافظ الإسكندرية، قدمتها هبه الرافعي، القائم بأعمال رئيس قطاع العلاقات الخارجية والإعلام.

وتأتي الندوة ضمن استضافة المكتبة لمجموعة الأعمال الفنية للفنان والمهندس المعماري اليوناني المغترب ماكيس ﭬارلاميس (1942 - 2016) حول الإسكندر الأكبر، بعد عرضها في أماكن أخرى في رحلتها لنقل رسالة الإسكندر الدائمة رسالة التسامح والتعايش الخلّاق والتعاون بين الشعوب.

أكد الدكتور أحمد زايد، أن اختيار مدينة الإسكندرية التي أسسها الإسكندر الأكبر عام 331 قبل الميلاد جاء لموقعها الاستراتيجي بين البحر المتوسط وبحيرة مريوط، مما جعلها جسراً للتواصل بين الشرق والغرب ومركزاً للتجارة والعلوم والفنون، وإحدى أعظم مدن العالم القديم ومشروعًا حضاريًا فريدًا سعى إلى توحيد البشرية من خلال الثقافة والمعرفة وهو مفهوم لا يزال قائمًا حتى اليوم.

وأوضح "زايد" أن مكتبة الإسكندرية القديمة كانت تضم مئات الآلاف من المخطوطات التي جذبت إليها العلماء والفلاسفة من شتى أنحاء العالم، وتُعدّ المكتبة الجديدة امتدادًا روحيًا للمكتبة القديمة وتواصل دورها كمركز عالمي للمعرفة وجزيرة ثقافية تمامًا كما أراد الإسكندر الأكبر لمدينته.

وأشار "زايد" إلى استضافة المكتبة لمركز الدراسات الهلنستية انطلاقاً من روح الثقافة الهلنستية التي تأسست في عهد الإسكندر الأكبر، كما يقدم هذا المركز برنامج ماجستير بالتعاون مع جامعة الإسكندرية.

وشدد "زايد" أنه لا شك أن الإسكندر الأكبر يُعدّ من أبرز الشخصيات في التاريخ البشري وأحد أعظم القادة الذين عرفهم التاريخ فهو لم يكن مجرد قائد عسكري بارع بل كان صاحب رؤية ثاقبة ومفهوم شامل للحضارة يدعو إلى دمج الشعوب تحت مظلة التبادل الثقافي والفكري، وقد ساهمت نشأته المزدوجة، العسكرية والفكرية، في تشكيل شخصيته الفريدة القادرة على الجمع بين الحلم والإرادة والسيف والعقل.

وأضاف: "ومن هذا المنطلق يعكس المعرض والفعاليات المصاحبة له هذه اللحظة التاريخية من خلال أعمال الفنان الراحل العظيم ﭬارلاميس، لا تُعدّ هذه الصور بورتريهات تقليدية لقائد شاب بل هي رؤى فنية متنوعة تدعونا لاكتشاف الإسكندر كقائد وكإنسان وكحالم من زوايا لم نعتد عليها في الروايات التاريخية التقليدية".

واختتم "زايد" أنه يطمح أن يكون المعرض منبرًا للحوار بين الحضارات وجسرًا يربط بين الإسكندر في الماضي والإسكندرية في الحاضر والفنان الذي انطلق في رحلة الحلم، والاحتفاء ليس فقط بذكرى القائد العظيم بل أيضًا بأفكار المدينة التي دفعته لإيجاد مساحة ليظل رمزًا للتنوع الثقافي وليجسد وحدة الإنسانية في مسيرتها الطويلة نحو التفاهم والسلام.

من جانبه، عبر السيد نيكولاوس باباجورجيو، سفير اليونان لدى مصر، عن سعادته بالتواجد في الاحتفالية التي اعتبرها بمثابة رد الجميل، وعودة السفير إلى المدينة التي أسسها من خلال أعمال ﭬارلاميس وهو فنان متعدد المواهب والجوانب، استلهم إبداعه عن حياة الإسكندرية وركز على الإسكندرية مقدمًا مجموعة واسعة ومتنوعة من الأعمال.

وأوضح "باباجورجيو" أن أعمال ﭬارلاميس عُرضت في التسعينيات في معرض بالقاهرة، لكن اليوم يوم استثنائي لأنه عاد إلى موطنه مدينة الإسكندرية، مشيرًا إلى أنه لم يكن هناك مكان على وجه الأرض أكثر ارتباطاً باليونانيين أكثر من الإسكندرية، إنها رابطة متينة بدأت منذ القدم مع التفاعل بين اليونانيين والمصريين، وجاء تأسيس الإسكندرية لتعزيز هذه الروابط التي لا تزال قائمة حتى اليوم.

وأكد "باباجورجيو" أن العلاقات بين بلاده ومصر في أوج ازدهارها اليوم، ويفخر الكثيرون من كلا الجانبين بهذا الإنجاز وقد بذلوا جهوداً حثيثة لتحقيقها، ومن الجوانب الاستثنائية أن اليونانيين والمصريين رغم تاريخهم المشترك العريق لم يعتمدوا على هذا فقط بل عملوا معًا على بناء واحدة من أفضل العلاقات التي جمعتهم على الإطلاق، والتي تُعد نموذجًا يُحتذى به في العلاقات بين الدول في شرق المتوسط وخارجه.

فيما أكد السيد بافلوس تروكوبولوس، مدير المختبر التجريبي بفيرجينا، إن الفعالية تمثل لقاءً ثقافيًا وإنسانيًا يجمع بين مصر واليونان، مشيرًا إلى مشاركة وفد يوناني يضم نحو 30 شخصًا حضروا خصيصًا للاحتفاء بأعمال الفنان الراحل ماكيس ﭬارلاميس حول الإسكندر الأكبر وفكرة "العودة إلى الإسكندرية".

وأوضح "تروكوبولوس" أن العلاقة بين الشعبين المصري واليوناني تقوم على لغة إنسانية مشتركة قوامها المشاعر الصادقة والقيم الروحية، معتبرًا أن هذا الإرث الإنساني هو ما يمنح الأمل في عالم يشهد تحولات متسارعة.

وأشار "تروكوبولوس" إلى أن تجربة التعلم على يد ﭬارلاميس كشفت أن جوهر الحياة يتمثل في اللطف والمحبة وخدمة الآخرين، مؤكدًا أن الأعمال المعروضة وخاصة مجموعة الإسكندر تعكس هذه القيم وتقدم الفن باعتباره رسالة إنسانية قبل أن يكون إبداعًا بصريًا.

ولفت "تروكوبولوس" إلى أن الإسكندر الأكبر، في رؤية ﭬارلاميس، ليس مجرد شخصية تاريخية بل فكرة تحمل قيم التسامح واحترام التنوع الثقافي والإيمان، موضحًا أن المعرض يسعى لإعادة طرح هذه القيم في السياق المعاصر ويدعو كل زائر للعثور على "إسكندره الخاص" بين الأعمال المعروضة.

واختتم بالإشارة إلى تطلع المنظمين لاستمرار عرض المجموعة وتعزيز التعاون مع مدينة الإسكندرية مستقبلًا بما يضمن تقديم الأعمال في أفضل صورة ويُرسّخ دور الفن كجسر للتواصل بين الشعوب، معبرًا عن امتنانه لمكتبة الإسكندرية وللرعاة والداعمين من شخصيات ومؤسسات مصرية ويونانية أسهمت في إنجاح المعرض، مؤكدًا أن هذا التعاون يعكس عمق الروابط الثقافية بين الجانبين.

بينما أكد الفريق أحمد خالد؛ محافظ الإسكندرية، إن المدينة تحتضن افتتاح المعرض باعتباره احتفاءً بشخصية تاريخية تركت أثرًا عميقًا في مسار الحضارة الإنسانية وفي مدينة ارتبط اسمها منذ نشأتها بالفكر والتنوير والانفتاح على العالم.

وأوضح أن المعرض يضم 53 عملًا فنيًا للفنان اليوناني العالمي ﭬارلاميس، تنوعت بين المنحوتات والأعمال الخشبية وتحمل رسالة إنسانية تدعو إلى السلام والتفاهم والتعايش بين الشعوب وهي قيم تتوافق مع هوية الإسكندرية الثقافية والتاريخية.

وأشار إلى أن اختيار الإسكندر الأكبر لموقع الإسكندرية لم يكن مصادفة بل جاء إدراكًا لعبقرية المكان الذي يجمع بين البحر والبر فأسس مدينة تحمل اسمه لتكون جسرًا بين الشرق والغرب ونافذة لمصر على العالم، ومنذ تأسيسها عام 331 قبل الميلاد تحولت إلى واحدة من أعظم مدن التاريخ وعاصمة للمعرفة والفلسفة والعلوم وموطنًا لعلماء ومفكرين أسهموا في تشكيل الوعي الإنساني عبر العصور.

وأكد أن المدينة شكلت نموذجًا فريدًا للتعايش الثقافي حيث أصبحت الجالية اليونانية جزءًا أصيلًا من نسيجها الاجتماعي في علاقة اتسمت بالمحبة والتفاعل الإنساني والحفاظ المتبادل على الهوية والثقافة.

وأوضح أن العلاقات المصرية اليونانية تشهد اليوم زخمًا متجددًا خاصة على الصعيد الثقافي والفني بما يعزز قيم الحوار والاستقرار ويتكامل مع رؤية التنمية المستدامة التي تضع الإنسان والمعرفة في صدارة الأولويات، مشددًا وشدد إن الإسكندرية ستظل رمزًا عالميًا للمعرفة ومنارة للتنوير والفن.

وخلال الفعالية عقدت جلسة نقاشية بعنوان "الإسكندر بين الأسطورة والمدينة" أدارتها الأستاذة الدكتورة منى حجاج، رئيسة الجمعية الأثرية بالإسكندرية، وتحدث فيها كل من الأستاذ الدكتور محمد عبد الغني، أستاذ التاريخ والحضارة اليونانية والرومانية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، والسيدة كاليوبي باباكستا، مديرة معهد البحوث الهيلينية لحضارة الإسكندرية، والأستاذة صوفيا أفغيرينو كولونيا، أستاذة فخرية، بقسم التخطيط الحضري والإقليمي في كلية الهندسة المعمارية الجامعة التقنية الوطنية في أثينا (NTUA).

وأوضحت الدكتورة منى حجاج، أن إنجازات الإسكندر غير المسبوقة أسهمت في تحويله من شخصية تاريخية إلى رمز شبه أسطوري ما يطرح تساؤلًا صعبًا حول الفصل بين الحقيقة والخيال، مشيرة إلى أن الإسكندرية أبرز المدن التي أسسها تجسد هذا التداخل بوضوح إذ جمعت بين الرؤية السياسية والاقتصادية والعمرانية، وبين الأساطير التي نسجت حول نشأتها ودورها الحضاري لتصبح مركزًا للمعرفة ومنارة للحضارة الهلنستية.

وتناول الدكتور محمد عبد الغني خلفية تاريخية عن علاقة الإسكندر الأكبر بمصر متسائلًا عما إذا كان يمكن اعتباره منقذًا مؤمنًا أم سياسيًا محنكًا، واستعرض جذور الصراع الطويل بين الإغريق والفرس وتأثيره في حملات الإسكندر موضحًا أن كراهية المصريين للحكم الفارسي بسبب اضطهاده الديني والسياسي سهّلت دخول الإسكندر إلى مصر دون مقاومة عام 332 قبل الميلاد.

وقالت كاليوبي باباكستا، إن الإسكندر الأكبر غيّر كل مسار الحياة وجمع بين الشعوب، فهو كان قائد ذكي ومحب للحياة وشغوف وواجه الحياة والموت بشغف، والمدن التي بناها تظل إرث للإنسانية، مشيرة إلى أن الإسكندرية تعبر عن الروح الهيليثتية.

وعبرت صوفيا أفغيرينو كولونيا، عن سعادتها بالعودة إلى مدينة الإسكندرية، مشيرة إلى أن الإسكندر أسسها ولكنه لم يعيش لرؤيتها مكتملة، ولكنها ظلت عاصمة للمعرفة ولها تأثير كبير على العلم والثقافة والدين فهي دائمًا فريدة من نوعها.

واُفتتح في بداية الفعالية معرض "الإسكندر الأكبر: العودة إلى مصر" يضم 53 عملًا فنيًّا تتضمن 40 لوحة كبيرة الحجم و12 منحوتة برونزية وخزفية بالإضافة إلى "بيت بندار" وهو عمل خشبي أصلي ومبهر، حتى 17 يناير 2026، فيما قدمت فرقة يونانية عرض فني فلكلوري، كما عُرض خلال الندوة فيلم قصير عن الإسكندرية.

جدير بالذكر أن المعرض يُقام في مكتبة الإسكندرية برعاية السفارة اليونانية في القاهرة ووزارات الدفاع والخارجية والداخلية اليونانية وجامعة أرسطو في ثيسالونيكي، والأكاديمية الوطنية للعلوم، وينظم بالتعاون بين المكتبة والمختبر التجريبي في فيرجينا واتحاد البلديات اليونانية والمركز الهيليني لأبحاث الحضارة السكندرية والمتحف الفني النمساوي.