النهار
جريدة النهار المصرية

عربي ودولي

استراتيجية جديدة تعيد تعريف واجبات أوروبا الأمنية وتحجم توسع الناتو.. كواليس مهمة

ترامب
كريم عزيز -

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استراتيجية أمنية وطنية جديدة تمثل تحولًا في العلاقات عبر الأطلسي، إذ وجهت انتقادات غير مسبوقة للقيادات الأوروبية واتهمتها بتقويض الديمقراطية وحمل توقعات غير واقعية بشأن الحرب في أوكرانيا، وفق صحيفة «وول ستريت جورنال»، وتشن الوثيقة هجومًا مباشرًا على المسؤولين الأوروبيين، متهمة إياهم بالتمسك بـ«توقعات غير واقعية» حول تسوية الحرب الأوكرانية، ومشيرة إلى أن واشنطن تجد نفسها على خلاف مع مسؤولين أوروبيين يقبعون في حكومات أقليات غير مستقرة، كثير منها يدوس على المبادئ الأساسية للديمقراطية لقمع المعارضة، حسبما ذكرت الصحيفة الأمريكية.

وتصاعدت حدة الخلافات أخيرًا عندما ضغط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرز وقادة أوروبيون آخرون على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من أجل عدم الرضوخ للمطالب الروسية دون الحصول على التزامات أمنية أمريكية صارمة، ورفض المسؤولون الأوروبيون والأوكرانيون، منذ الصيف الماضي، بعض أفكار إدارة ترامب لإنهاء الحرب، والتي تضمنت في خطة أولية من 28 نقطة مطالب روسية جوهرية مثل منع نشر قوات حفظ سلام أوروبية، وتحديد حجم الجيش الأوكراني، وتسليم أراضٍ في شرق أوكرانيا لم يحتلها الجيش الروسي بعد.

وتتهم الاستراتيجية الجديدة أوروبا بمواجهة خطر «اندثار حضارتها« أو «زوال هويتها الحضارية» بسبب فشلها في كبح الهجرة غير الشرعية، كما تردد صدى خطاب نائب الرئيس جي دي فانس في فبراير الذي اتهم القادة الأوروبيين بتقييد حرية التعبير وحث الحكومات الأوروبية على عدم محاولة منع أحزاب أقصى اليمين من الوصول للسلطة، وفي تغير كبير عن المواقف الجمهورية التقليدية، ترفض استراتيجية ترامب استمرار سياسة الباب المفتوح التي ينتهجها حلف الناتو لقبول أعضاء جدد، مطالبة بوقف التوسع المستمر للحلف، بينما تلقي بمسؤولية الدفاع الأوروبي على عاتق الأوروبيين أنفسهم، حسبما ذكرت «وول ستريت جورنال».

ويتناقض هذا التوجه بشكل صارخ مع سياسة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، الذي سعى لوضع أوكرانيا على مسار ثابت للانضمام إلى الحلف خلال قمة الناتو عام 2008 في بوخارست، وتمثل الإستراتيجية الجديدة تحولًا كاملًا عن توجهات إدارة ترامب الأولى ووثيقة 2017 التي أعدَّها مستشارون مثل إتش آر ماكماستر ووزير الدفاع جيم ماتيس ومدير الاستخبارات المركزية ووزير الخارجية لاحقًا مايك بومبيو، والتي شددت على ضرورة تعاون الولايات المتحدة وأوروبا لـ«مواجهة التخريب والعدوان الروسي» ووصفت موسكو بأنها قوة «تعديلية» تسعى مع بكين لتشكيل عالم «مناقض للقيم والمصالح الأمريكية».

كما تختلف جذريًا عن إستراتيجية إدارة بايدن لعام 2022 التي صورت الوضع العالمي كمنافسة بين الديمقراطيات بين واشنطن والأنظمة الاستبدادية، وشددت على ضرورة التصدي لـ«السياسة الخارجية الإمبريالية» لموسكو، وفي المقابل، تؤكد وثيقة ترامب الجديدة ضرورة إعادة إرساء الاستقرار الإستراتيجي مع روسيا، وتقدم واشنطن كقوة معتدلة محتملة بين موسكو وأوروبا القلقة من أهداف الكرملين.

وتذهب الوثيقة لحد القول إن أغلبية أوروبية كبيرة تريد السلام، لكن هذه الرغبة لا تُترجم إلى سياسات بدرجة كبيرة؛ بسبب تقويض تلك الحكومات للعمليات الديمقراطية، مضيفة أن هذا مهم إستراتيجيًا للولايات المتحدة تحديدًا؛ لأن الدول الأوروبية لا يمكنها إصلاح نفسها إذا كانت محاصرة في أزمة سياسية، وواجهت الإستراتيجية الجديدة انتقادات لاذعة من مسؤولين أمريكيين سابقين، إذ قالت جاكلين راموس، التي شغلت منصب نائبة مساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية والأوراسية في إدارة بايدن: «هذه الإدارة تريد نتائج من الحلفاء دون تقديم قيادة متسقة، وموسكو ستستغل أي فجوة بين الكلمات الأمريكية والقدرات الأوروبية».

وأضافت راموس محذرة: «إذا تآكلت المصداقية في أوروبا، فإنها تتآكل في كل مكان وسيلاحظ الخصوم ذلك»، حسب «وول ستريت جورنال»، وتوجه الاستراتيجية الجديدة اهتمامها نحو معالجة التهديدات في نصف الكرة الغربي، إذ تدعو لاستخدام القوة القاتلة في مواجهة عصابات المخدرات، إلى جانب التنافس الاقتصادي مع الصين.

وتؤكد الوثيقة إعادة تفعيل وفرض مبدأ مونرو، وهو مبدأ تاريخي يرفض أي تدخل خارجي في شؤون القارتين الأميركيتين، بهدف استعادة الهيمنة الأمريكية على المنطقة، من خلال "عمليات انتشار عسكري موجهة لتأمين الحدود والقضاء على العصابات، بما يشمل اللجوء للقوة القاتلة عند الضرورة، بديلًا عن الاعتماد الحصري على إستراتيجيات إنفاذ القانون التي فشلت طوال العقود الأخيرة".