1من كل 5 موظفين يتعرّض للتحرّش الوظيفي.. جريمة صامتة تهدّد بيئات العمل

يُعدّ التحرّش الوظيفي واحدة من أكثر القضايا الحسّاسة التي تواجه بيئات العمل حول العالم، وسط مؤشرات دولية تُظهر حجمًا مقلقًا لهذه الظاهرة التي كثيرًا ما تبقى طيّ الكتمان. وتشير دراسات حديثة إلى أن نحو 20% من العاملين تعرّضوا لشكل من أشكال العنف أو التحرّش أثناء العمل، بينما يُعتبر التحرّش النفسي واللفظي الأكثر انتشارًا بنسبة تقترب من 18%، يليه التحرّش الجسدي، ثم التحرّش الجنسي الذي تتراوح نسبته بين 6% و8%، مع ارتفاع ملحوظ في نسب تعرض النساء مقارنة بالرجال.
التحرّش الوظيفي.. صور متعددة تتجاوز الفعل الجنسي
لا يقتصر التحرّش الوظيفي على الفعل الجنسي المباشر كما يعتقد الكثيرون، بل يمتد ليشمل سلوكيات أوسع تبدأ غالبًا بتلميحات أو نظرات مزعجة، أو تعليقات تبدو “غير ضارة”. ومع الوقت، قد تتطور هذه السلوكيات لتشمل رسائل غير لائقة، محاولات لمس أو اقتراب جسدي غير مرغوب فيه، أو حتى ضغوط وظيفية تستغل السلطة داخل المؤسسة.
ويُعد التحرّش الإداري أو الاستغلال الوظيفي من أخطر أشكال التحرّش، إذ يُبتز الموظفون مقابل ترقية أو الحفاظ على مناصبهم، ما يجعل الضحية في موقع هشّ يفتقد للأمان المهني والاجتماعي.
الصمت.. ردّة فعل أغلب الضحايا
ورغم الانتشار الواسع للظاهرة، تُظهر الدراسات أن أكثر من نصف الضحايا لا يبلغون عن حوادث التحرّش، لأسباب عديدة، أبرزها:
- الخوف من فقدان الوظيفة
- الخجل أو الخوف من وصمة اجتماعية
- غياب قنوات إبلاغ آمنة وسرّية
- الخشية من الانتقام أو التمييز
- عدم الثقة في آليات التحقيق
هذا الصمت الجماعي يساهم في بقاء الظاهرة واستمرارها، ويجعل من الصعب رصد حجمها الحقيقي أو معالجتها بشكل فعّال. هذا الامتناع عن الإبلاغ لا يؤدي فقط إلى استمرار الظاهرة، بل يصل أحيانًا إلى درجة قصوى من الانفجار الداخلي، حيث تعجز الضحية عن مقاومة ضغوط العمل أو التركيز في الدفاع عن نفسها، وتجد نفسها في حالة إنهاك نفسي شديد يدفعها نحو الرغبة في الاستقالة. وفي كثير من الأحيان تكون هذه الاستقالات تعسفية وغير عادلة، وتعكس حجم الضغط والخوف الذي تعيشه الضحية داخل بيئة العمل.
تأثيرات خطيرة تمتد إلى ما بعد لحظة الواقعة
لا تتوقف آثار التحرّش عند حدود التجربة نفسها؛ فالأبعاد النفسية والمهنية قد ترافق الضحية لفترات طويلة. وتشمل التأثيرات الأكثر شيوعًا:
- القلق والتوتر والاكتئاب
- تراجع المستوى المهني والأداء
- غياب الشعور بالأمان داخل المؤسسة
- رغبة في ترك الوظيفة أو تغيير البيئة بالكامل
وعلى مستوى المؤسسات، يؤدي انتشار التحرّش إلى ضعف الروح المعنوية داخل فرق العمل، وانخفاض الإنتاجية، وارتفاع معدل دوران الموظفين، ما ينعكس سلبيًا على سمعة المؤسسة واستقرارها.
كيف يمكن مواجهة الظاهرة؟
يشدد خبراء الموارد البشرية على ضرورة تبني المؤسسات سياسات واضحة وصارمة لمكافحة التحرّش، عبر الخطوات التالية:
- وضع ميثاق داخلي يرفض أي شكل من أشكال التحرّش
- توفير قنوات إبلاغ آمنة وسرّية
- ضمان حماية المبلّغين من أي عقوبات أو انتقام
- إجراء تحقيقات نزيهة ومحايدة في كل شكوى
- تنظيم برامج تدريب وتوعية مستمرة للعاملين والإدارة
أما على مستوى الأفراد، فينصح الخبراء بضرورة وعي الموظف أو الموظفة بالحقوق المهنية، وتوثيق أي سلوك غير لائق، والرفض الصريح لأي تجاوز، مع اللجوء إلى زميل موثوق، أو مستشار قانوني أو نفسي إذا لزم الأمر.
في النهاية.. تكشف الأرقام والتحليلات عن حقيقة واضحة: التحرّش الوظيفي ليس حدثًا استثنائيًا، بل ظاهرة واسعة النطاق تهدد كرامة الأفراد واستقرار المؤسسات.
ومواجهة هذه الظاهرة تبدأ بالاعتراف بها، ثم تعزيز التوعية، وتطبيق التشريعات، واعتماد آليات محاسبة فعّالة.
فبيئة العمل الآمنة ليست رفاهية.. بل أساس العدالة والإنتاجية واستدامة المؤسسات.

