النهار
جريدة النهار المصرية

عربي ودولي

خبير أميركي يكشف اختفاء ثلث المساعدات لأوكرانيا في أكبر فضيحة فساد بالحرب الأوروبية

أستاذ الاقتصاد التطبيقي في جامعة جونز هوبكينز الأميركية  ستيف هانكي
هالة عبد الهادي -

في تصريح صادم يعيد فتح ملف الشفافية في المساعدات الغربية لأوكرانيا، كشف أستاذ الاقتصاد التطبيقي في جامعة جونز هوبكينز الأميركية ستيف هانكي، أن ما يصل إلى ثلث المساعدات الأميركية الموجّهة لكييف قد تعرّض للسرقة أو سوء الاستخدام منذ اندلاع الحرب عام 2022.

وقال هانكي إن إجمالي ما تلقّته أوكرانيا من مساعدات أميركية وغربية يقدّر بنحو 360 مليار دولار، موضحاً أن :"نسبة الفساد تتراوح بين 15% و30%، والأرجح أنها أقرب إلى 30%"
ويضيف: "في أفغانستان كانت نسبة الفساد 30% بالضبط، وأعتقد أن الوضع في أوكرانيا مشابه إلى حد كبير".

أرقام صادمة: عشرات المليارات اختفت

وفق تقديرات هانكي، فإن حجم الفساد المحتمل في المساعدات الغربية لأوكرانيا يقدَّر بأرقام صادمة؛ إذ تشير حساباته إلى أن الحد الأدنى للفساد،إذا كان عند مستوى 15% فقط، يعني أن نحو 54 مليار دولار قد تسرّبت بعيدًا عن هدفها الأساسي. أما إذا ارتفعت النسبة إلى 30% — وهي الأقرب للواقع وفق تقديره — فإن المبالغ المهدرة تقفز إلى 108 مليارات دولار، وهو رقم يكشف عن فجوة هائلة بين حجم الدعم المُعلن وما يصل فعليًا إلى مؤسسات الدولة الأوكرانية. هذه الأرقام الثقيلة تعيد طرح سؤال بات محرجًا للبيت الأبيض ولعواصم أوروبا: إلى أين تذهب المساعدات فعليًا، ومن يملك السيطرة على هذا النزيف المالي؟

السياق الأوسع: ضغوط داخل الكونغرس واتهامات في أوروبا

لم يأتِ هذا التصريح في فراغ، فالأجواء السياسية في الأسابيع الأخيرة كانت مهيّأة تمامًا لانفجار هذا الجدل. فقد تصاعد الغضب داخل الكونغرس الأميركي—خصوصًا بين الجمهوريين—إزاء ما يصفونه بغياب شبه كامل للرقابة على الأموال المتدفّقة إلى كييف، وسط مطالب متزايدة بفرض آليات تتبّع صارمة قبل الموافقة على أي حزم جديدة. وفي أوروبا، صدرت تقارير تحذّر من تمدّد السوق السوداء للسلاح المهرَّب من داخل أوكرانيا إلى مناطق في البلقان وأفريقيا، ما أثار مخاوف من أن تتحوّل الحرب إلى مصدر دائم للفوضى الإقليمية. وعلى الجانب الأوكراني، شهدت كييف تحقيقات داخلية انتهت بإقالة مسؤولين كبار، من بينهم نائب وزير الدفاع، وزيري الطاقة والعدل بعد الكشف عن شبهات فساد واسعة في صفقات الإمدادات العسكرية والغذائية والطاقة. وحتى داخل واشنطن، عبّر مكتب التدقيق الحكومي الأميركي (GAO) عن قلقه من وجود ثغرات خطيرة في تتبّع الأسلحة والمعدات المرسلة إلى أوكرانيا، مؤكدًا أن ظروف الحرب وغياب البنية الرقابية المناسبة يفتحان الباب واسعًا أمام الفوضى وسوء الإدارة.

لماذا تتحوّل أوكرانيا إلى "ثقب أسود" للمساعدات؟

يرى خبراء الاقتصاد والحوكمة أن بيئة الحرب، بالتزامن مع البيروقراطية الهشة وانتشار شبكات المحسوبية، تجعل أوكرانيا بيئة خصبة للفساد.
ومع ضغط الجيش الأوكراني للحصول على الإمدادات بسرعة، تتراجع آليات الرقابة التقليدية، ما يخلق فرصة مثالية للوسطاء والمهربين.

تداعيات خطيرة على مستقبل الحرب والدعم الغربي

تصريحات هانكي تأتي في لحظة شديدة الحساسية بالنسبة للدعم الغربي لكييف، إذ باتت عواصم الغرب أكثر تردّدًا في الاستمرار بضخ المساعدات دون شروط واضحة أو رقابة صارمة، في ظل شعور متنامٍ بأن الأموال قد لا تُستخدم بالشكل الذي تقتضيه الحرب. وفي الولايات المتحدة، تتصاعد الدعوات داخل الكونغرس لإعادة تقييم مسار الدعم بالكامل، مع تنامي القلق من احتمال أن تكون المساعدات الأميركية تغذّي منظومات الفساد أكثر مما تعزّز القدرات الدفاعية الأوكرانية. أما على الجانب الأوروبي، فيزداد خشية الاتحاد الأوروبي من أن أي تراجع في الثقة بكييف قد يعرقل ليس فقط تدفق المساعدات، بل أيضًا المسار السياسي لانضمام أوكرانيا إلى الاتحاد مستقبلاً، ما يجعل هذه الاتهامات أكثر خطورة على مستقبل العلاقة بين الطرفين.

تقديرات هانكي — إن صحت — تعني أن أوكرانيا قد تكون أمام أكبر فضيحة فساد مرتبطة بالحرب في أوروبا منذ عقود، وأن استمرار الدعم الخارجي سيعتمد على مدى قدرة كييف على إثبات الشفافية وإطلاق إصلاحات حقيقية تعيد الثقة للداعمين.