مئوية روزاليوسف… قرن من التنوير وصناعة الوعي في احتفالية علمية تكشف دور المجلة في تشكيل الهوية الوطنية

احتفاءً بمرور مئة عام على تأسيس مجلة روزاليوسف، أُقيمت فعالية ثقافية علمية كبرى شارك فيها نخبة من الأساتذة والباحثين والخبراء في مجالات الصحافة والإعلام والتاريخ، احتفالًا بهذا الصرح الوطني الذي شكّل أحد أبرز أعمدة الوعي المصري والعربي. فمنذ انطلاقها، كانت روزاليوسف منصة جريئة للتنوير والثقافة والفن، ومساحة مفتوحة للحوار النقدي والتجديد، رسّخت حضورها بوصفها مؤسسة صحفية رائدة أثرت المشهد الثقافي وصاغت جزءًا مهمًا من الوعي العام.
وجاءت الندوة العلمية المصاحبة للاحتفالية لتسلّط الضوء على دور المجلة في تشكيل المجال العام، وتكوين الرأي العام، ودعم حرية التعبير عبر جلستين تناولتا جذورها ومسارها وتأثيرها المستمر حتى اليوم.

الجلسة الأولى: الجذور التاريخية وإعادة تعريف دور الصحافة
استهلت الكاتبة نجوى كامل النقاش بكلمة تناولت فيها الظروف التاريخية التي شهدت ميلاد المجلة في عشرينيات القرن الماضي، حيث ظهرت كصوت تقدمي إصلاحي يسعى لتحرير العقل المصري ومواجهة النزعات الرجعية. وأكدت أن شخصية مؤسستها المتمردة صنعت نموذجًا للصحفي الحر الذي لا يخضع لضغوط سياسية أو اجتماعية، ما جعل روزاليوسف مدرسة صحفية خرّجت أبرز الأقلام الفكرية في مصر، وأرشيفًا حيًا لتطور الصحافة المصرية.
ثم قدّم الدكتور رامي عطا مداخلة موسعة عرضت التطور المهني والتحريري للمجلة عبر العقود، موضحًا كيف أعادت روزاليوسف تعريف وظيفة الصحافة في لحظات سياسية فارقة، بدءًا من معارك التحرر الوطني وصولًا للتحولات الاجتماعية الحديثة. وقدم قراءة تحليلية لخطابها التحريري القائم على الجرأة في طرح القضايا الشائكة والدفاع عن قيم الديمقراطية والمواطنة، مشيرًا إلى أن أرشيفها يمثل ثروة معرفية توثق تغيرات المجتمع المصري وتستحق المزيد من الدراسات العلمية.

الجلسة الثانية: روزاليوسف بين الثقافة والتحقيقات والمجتمع
افتتحت د. نرمين الأزرق الجلسة الثانية باستعراض البعد الثقافي للمجلة، مؤكدة أنها كانت حاضنة للمواهب الشابة ومنبرًا للفنون والآداب، وفضاءً للنقد المسرحي والسينمائي والفني. وأشارت إلى أن روزاليوسف لعبت دورًا مهمًا في صياغة الذائقة الفنية للجمهور وإنتاج خطاب ثقافي متجدد يستوعب التحولات الاجتماعية.
وتناولت سحر حسن أحمد أثر المجلة في تطوير الصحافة المتخصصة، لافتةً إلى أنها كانت رائدة في طرح ملفات معمّقة عن قضايا المرأة والفن والسياسة، وقدمت تحقيقات صحفية جمعت بين الدقة والبعد الإنساني، لتصبح نموذجًا مهنيًا يُحتذى في صحافة التحقيقات.
واختتم الباحث د. صالح محمد عمر الجلسة بقراءة تاريخية لمسيرة المجلة خلال مئة عام، مشيرًا إلى قدرتها على الصمود أمام التغيرات السياسية وتبدل طبيعة الجمهور وتطور أدوات الإعلام. وأكد أن روزاليوسف حافظت على هويتها التحريرية الحرة رغم موجات التغيير المتلاحقة، وظلت شاهدًا على تحولات المجتمع ومرآة لهموم الناس وتطلعاتهم.

إدارة الجلسة
أدار الندوة الأستاذ الدكتور محمد رفعت الإمام، الذي نجح في ربط الطروحات المقدمة بالسياق التاريخي للمجلة، مؤكدًا أن دراسة مئوية روزاليوسف ليست مجرد احتفاء رمزي، بل ضرورة علمية لفهم العلاقة بين الصحافة والتاريخ ودور الإعلام في تشكيل الهوية الوطنية.

خلاصة الاحتفالية
أكدت الفعالية أن روزاليوسف، بعد مرور قرن على تأسيسها، لا تزال نموذجًا للمؤسسة الصحفية القادرة على التجدد والتأثير وصون قيم الثقافة الحرة واحترام عقل القارئ. وجاءت المئوية لتعزز الاعتزاز بهذا الكيان الوطني، وتشدد على أهمية دعم المؤسسات الصحفية الرصينة بوصفها شريكًا أصيلًا في صياغة مستقبل الوعي والثقافة في مصر.

