النهار
جريدة النهار المصرية

عربي ودولي

كيف يصطدم قرار الرئيس الأمريكي بوقف الهجرة من العالم الثالث بالأفغانيين؟

ترامب
كريم عزيز -

قدّمت الصحف الأجنبية تحليلاً مُعمقاً لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بشأن وقف الهجرة من العالم الثالث، موضحة أن إعلان وزارة الأمن الداخلي بوقف كل طلبات الهجرة الخاصة بالأفغان «حتى إشعار آخر»، ومراجعة كل ملفات اللجوء التي مُنحت في عهد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، يحمل في طياته خيانة معنوية لفكرة «تحالف» امتد لعقدين في أفغانستان. عشرات الآلاف ممن عملوا مع الجيش الأمريكي وأجهزته كانوا يراهنون على أن اللجوء إلى الولايات المتحدة هو «المكافأة» على تعاونهم؛ الآن يتحوّل هذا الوعد إلى مصدر قلق وجودي على مصيرهم ومصير عائلاتهم، بحسب ترجمة عزت إبراهيم، المحلل السياسي.

وأوضحت أنه في خلفية المشهد أرقام ضخمة: أكثر من 190 ألف أفغاني أعيد توطينهم في الولايات المتحدة منذ الانسحاب في 2021، بحسب بيانات وزارة الخارجية. هذه الكتلة البشرية ليست هامشية، بل مجتمع كامل قيد التشكل، يرتبط كثير من أفراده مباشرة بالجيش والبعثات الأمريكية في كابول؛ أي أن السياسات الجديدة لا تستهدف «لاجئين مجهولين» كما يقول الخطاب الشعبوي، بل شبكات بشرية ارتبطت بالمغامرة العسكرية الأمريكية نفسها.

وأكدت أن بيان «تحالف الجاليات الأفغانية في الولايات المتحدة» الذي أدان الجريمة ورفض في الوقت نفسه تحميل مجتمع كامل وزر فعل فرد، يذكّر بأن المهاجرين ليسوا مجرد موضوع للسياسة، بل فاعلين يحاولون الدفاع عن صورتهم وحقوقهم. هذه الأصوات، التي تدعو لاستمرار معالجة الملفات «دون تعطيل أو تعليق»، تضع الإدارة أمام سؤال أخلاقي مفاده أي رسالة تُبعَث إلى من خاطروا بحياتهم دفاعا عن الأجندة الأمريكية ثم يجدون الباب يُغلق في وجوههم؟ .

وأوضحت أن لغة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن «20 مليون أجنبي مجهول وغير مدقَّق فيهم» دخلوا في عهد بايدن تُشحن الرأي العام بأرقام ضخمة غير موثَّقة، وتحوّل الجدال حول إصلاح نظام الهجرة إلى سباق في تضخيم المخاطر، واستخدام تعبيرات مثل «تهديد لبقائنا ذاته» لا تهدف فقط إلى تبرير السياسات المتشددة، بل إلى إعادة تشكيل شعور الخطر الوجودي لدى قطاعات من الناخبين، بحيث ينظر الناخب إلي الهجرة كقضية حياة أو موت، لا ملف إدارة سياسات عامة.

ونوهت إلى أن الربط بين «المنفعة الاقتصادية» وحق الإقامة من خلال تعبير «من ليس صافي منفعة للولايات المتحدة» يعكس انتقالا من منطق الحقوق إلى منطق السوق. فالمهاجر هنا يتحول إلى «أصل» في ميزانية دولة، يمكن التخلص منه إذا لم يحقّق عائدا كافيا أو تبيّن لاحقا أنه «عبئا علي المجال العام»، هذا المنطق يتناقض مع التقاليد القانونية الأمريكية التي تعطي وزنا كبيرا لفكرة الكرامة الإنسانية والالتزام تجاه اللاجئين الفارين من الحروب.

وذكرت أن استدعاء عبارة «غير المتوافقين مع الحضارة الغربية» يعيدنا إلى أفكار «الفرز الأيديولوجي» و«الفحص المتطرف» التي طرحها ترامب في حملته عام 2016، وناقشتها صحف مثل واشنطن بوست آنذاك بوصفها اختبارا لقيم المهاجرين ومدى قبولهم بـ«قِيَم الغرب». هذا المزج بين الأمني والثقافي يفتح الباب أمام سياسات تمييزية تستهدف المجموعات العقائدية واللاجئين من أفريقيا وآسيا بحجة عدم اندماجهم مع «قيم الحضارة الغربية».

وقالت، إن المفارقة الكبرى أن الحرس الوطني نفسه الذي تعرض للهجوم هو تجسيد لفكرة «التضحية من أجل حماية الدستور»، بينما يأتي الرد السياسي بخطاب يختبر صلابة هذا الدستور أمام إجراءات تعميمية وعقابية. السؤال الذي سيواجهه القضاء والكونجرس ومنظمات الحقوق المدنية هو: هل يجوز استخدام جريمة بشعة لتقويض ضمانات قانونية راسخة تحمي ملايين البشر من التعسّف؟، وحول توقيت الإعلان – ليلة عيد الشكر، وفي إطار خطاب عاطفي يتحدث عن «أمن العائلات الأمريكية» – يحمل حرصا واضحا على مخاطبة المشاعر لا العقول. الرئيس يخاطب المشاهدين الذين يتابعون الأخبار وسط عائلاتهم، ويقدم نفسه كمن يحميهم من «غرباء خطرين»، في صيغة تكرر مشاهد ما بعد 11 سبتمبر، ولكن بخلفية سياسية مختلفة تماما.

وذكرت أنه من زاوية أخرى، يلبّي هذا الخطاب مطالب تيارات داخل معسكر «أمريكا أولا» التي تضغط منذ فترة لتقليص ليس فقط الهجرة غير النظامية، بل الهجرة القانونية ذاتها، باعتبار أن الثقافة والديموغرافيا أهم من الاقتصاد. فإعادة فحص بطاقات الإقامة، وتهديد «بسحب الجنسية» ممن «يقوضون السكينة الداخلية» يتوافقان مع توجه أوسع لتقليص مفهوم المواطنة وإعادة تعريفه بمعايير الولاء الأيديولوجي.