ماذا يعني قرار ترامب وقف الهجرة من العالم الثالث؟

قدّمت الصحف الأجنبية تحليلاً مُعمقاً لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بشأن وقف الهجرة من العالم الثالث، حيث أكدت أن إعلان الرئيس يثير تحولاً نوعياً في خطاب وسياسات الهجرة الأمريكية، فالمسؤول الأول في الدولة لا يتحدث عن تعديل محدود لقواعد الدخول، بل عن إغلاق شبه كامل لباب الهجرة من معظم دول الجنوب، تحت ذريعة «إتاحة الفرصة للنظام الأمريكي كي يتعافى».
وذكرت في تحليلها، أن هذا النوع من الصياغة يربط بين أزمات الداخل الأمريكي وبين وجود المهاجرين، ويحول الهجرة من ملف اقتصادي–اجتماعي معقّد إلى شعار سياسي مبسّط يمكن تسويقه بسهولة للقاعدة الغاضبة، بحسب ترجمة عزت إبراهيم المحلل السياسي.
وأوضحت أن القرار رُبط بحادث إطلاق النار قرب البيت الأبيض، الذي قُتلت فيه مجنّدة من الحرس الوطني وأصيب زميلها بجروح خطيرة، ذلك الأمر الذي يفتح باباً واسعاً على سياسة «الحكم عبر الصدمة»، فبدل الاكتفاء بالتحقيق الجنائي وتقييم الثغرات الأمنية، تُستَثمر جريمة فردية لتحريك حزمة واسعة من التغييرات البنيوية في نظام الهجرة، وكأن ملايين المهاجرين يتحمّلون جماعيا مسؤولية فعل شخص واحد.
وذكرت أن شخصية المتهم نفسه تزيد من تعقيد المشهد؛ فرحمن الله لكنوال ليس مهاجراً غير نظامي ولا شخصاً تسلل عبر الحدود، بل أفغاني خدم مع وحدات مدعومة من الـ«سي آي إيه»، دخل الولايات المتحدة ضمن برنامج «ترحيل الحلفاء» بعد الانسحاب من أفغانستان، ثم حصل على اللجوء في 2025 في ظل إدارة ترامب ذاتها: «هذه التفاصيل تقوّض السردية البسيطة التي تَحمل «لين سياسات بايدن» وحده مسؤولية ما حدث».
ونوهت إلى أن إعادة فتح ملف «العالم الثالث» كمفهوم سياسي في خطاب رسمي أمريكي تعني عودة لغة الحرب الباردة بملامح أكثر فجاجة، فالتعبير لا يحمل دلالة فنية بقدر ما يحيل إلى تراتبية عنصرية–حضارية بين «الغرب المتقدم» و«الجنوب المتخلّف»، ويعيد إنتاج القوالب النمطية حول شعوب بأكملها بوصفها مصدراً للخطر والفوضى، لا شركاء محتملين في التنمية أو الاقتصاد.
وشددت أن التعهد بوقف «كل» الهجرة من «كل» دول العالم الثالث يضع الإدارة مباشرة في مرمى الطعن القضائي، ففي التجربة الأولى مع ما سُمّي «حظر السفر على المسلمين» عام 2017، لعبت المحاكم الفيدرالية والمحكمة العليا دوراً في تقييد نطاق القرارات التنفيذية، قبل إقرار نسخة مخففة ومعدلة، واليوم يعيد ترامب إنتاج المنطق نفسه، لكن بنطاق جغرافي وسكاني أوسع بكثير، مع مصطلحات مائعة يصعب تعريفها قانونيًا مثل «غير المتوافق مع الحضارة الغربية».
وأوضحت أن الشق الأخطر في الإعلان ليس فقط الإيقاف المستقبلي للهجرة، بل التهديد بـ«إنهاء وضع» ملايين المهاجرين الذين دخلوا في عهد بايدن، ومراجعة كل بطاقات الإقامة الدائمة (الجرين كارد) لمواطني 19 دولة مصنَّفة «مقلقة». هذه العودة إلى الوراء في الوضع القانوني لمقيمين حصلوا على أوراقهم وفق إجراءات رسمية تزعزع أحد أعمدة النظام الأمريكي إلا وهو استقرار المركز القانوني للأفراد وعدم العبث به وفق مزاج سياسي متقلّب.
ونوهت إلى أن قائمة الدول التسع عشرة التي ستخضع لمراجعة شاملة تشمل أفغانستان، إيران، ليبيا، الصومال، السودان، اليمن، هايتي، كوبا، فنزويلا، وعددا من الدول الإفريقية والآسيوية الأخرى، ما يعني أن القرار يستهدف عمليا مزيجا من دول ذات أغلبية مسلمة ودول فقيرة أو مضطربة سياسيا. الرسالة السياسية هنا مزدوجة وتتمثل في عقاب جماعي لهذه المجتمعات، وإشارة إلى القاعدة الانتخابية بأن الإدارة «متشددة» في مواجهة المهاجرين «غير المرغوب فيهم».

