روسيا تعيد رسم خريطة التسليح في الشرق الأوسط: صفقات قياسية تعزز النفوذ العسكري

في ظل الصراع الروسي المستمر في أوكرانيا، تعيد موسكو تعريف دورها كلاعب محوري في سوق السلاح الدولي، متجاوزة حدود البيع التقليدي لتتحول خبرتها الميدانية إلى أداة نفوذ استراتيجي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.فلا تقتصر الاستراتيجية الجديدة على تصدير الأسلحة فقط، بل تشمل توطين الإنتاج، نقل التكنولوجيا، وبناء شراكات طويلة الأمد مع الدول العربية، ما يمنحها حضورًا متناميًا في قلب سوق السلاح الإقليمي.
خبرة أوكرانيا: منصة جديدة لجاذبية السلاح الروسي
منحت الحرب في أوكرانيا روسيا تجربة قتالية غير مسبوقة، انعكست مباشرة على جودة وكفاءة معداتها العسكرية، بدءًا من الدبابات والمدرعات إلى أنظمة الدفاع الجوي والطائرات المسيرة. هذه الخبرة عززت سمعة السلاح الروسي عالميًا، وجعلت صفقات الأسلحة الروسية أكثر جاذبية للدول التي تسعى لتحديث ترسانتها العسكرية بسرعة.
ووفقًا لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام (SIPRI)، رغم انخفاض صادرات روسيا عالميًا بين 2020 و2024، شهدت منطقة الشرق الأوسط ارتفاعًا قياسيًا في العقود، ما يعكس تركيز موسكو على أسواق استراتيجية لتعويض الانخفاض العالمي وتعزيز نفوذها العسكري والسياسي.
من البيع إلى الشراكات الاستراتيجية
تتمثل الميزة الجديدة في استراتيجية روسيا في تقديم شراكات تصنيع مشترك ونقل التكنولوجيا.فعلي سبيل المثال تركز السعودية على الأنظمة قصيرة المدى مع إمكانية الإنتاج المحلي، بينما تناقش الإمارات برامج لتطوير الأسلحة بشكل مشترك مع موسكو، ما يمنح الدول العربية استقلالية أكبر في القرار العسكري ويقلل الاعتماد على المورد الغربي التقليدي.
بحسب الهيئة الفيدرالية الروسية للتعاون العسكري،:"تجاوزت قيمة عقود الأسلحة الروسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عشرات المليارات من الدولارات، مؤكدة أن المنطقة باتت محورًا رئيسيًا في استراتيجية موسكو لتعزيز نفوذها العسكري والسياسي".
تشير دراسة عربية إلى أن بعض الدول العربية ترى في روسيا خيارًا استراتيجيًا لتحديث ترسانتها الدفاعية، وتقليل اعتمادها على الغرب، وإعادة ترتيب تحالفاتها الإقليمية. كما توضح أن الاستفادة من الخبرة الروسية في أوكرانيا قد تساعد الدول على تطوير قدراتها العسكرية بسرعة، لكنها تحمل في الوقت نفسه مخاطر مرتبطة بالاعتماد على مورد خارجي جديد.
من جانبه، يرى معهد واشنطن أن صادرات السلاح الروسية ليست مجرد صفقات تجارية، بل أداة نفوذ سياسي واستراتيجي. تقدم موسكو أسلحة بأسعار تنافسية، مع شروط أقل صرامة، وشراكات طويلة الأمد، ما يجعلها خيارًا مفضّلًا لدى الدول التي تسعى لتنويع مصادر تسليحها.
تداعيات إقليمية واستراتيجية
إعادة روسيا رسم خريطة التسليح في الشرق الأوسط تمنح الدول خيارات متعددة لتعزيز استقلالية القرار العسكري. وشراكات التصنيع المشترك مع موسكو قد تغيّر موازين القوى الإقليمية، خاصة في ظل استمرار المنافسة الغربية على النفوذ العسكري في المنطقة.
ومع ذلك، هناك مخاطر واضحة تتمثل في : سباق تسلح محتمل، واعتماد بعض الدول على تكنولوجيا خارجية، وربط أمنها بتطورات الصراع الروسي الأوروبي.
بحسب تقارير الوكالة الرسمية الروسية لتصدير الأسلحة والمعدات العسكرية، بلغت محفظة عقودها مع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في نهاية 2024 نحو 57 مليار دولار موزعة على 44 دولة، في مؤشر واضح على تركيز موسكو على أسواق استراتيجية بعيدة عن العقوبات الغربية، وتعكس هذه الأرقام الرهان الروسي على الشرق الأوسط لتعويض أي تراجع عالمي في صادراتها العسكرية.
وختاماً تستغل روسيا خبرتها القتالية في أوكرانيا لتطوير نفوذها العسكري والسياسي في الشرق الأوسط، من خلال بيع أسلحة متقدمة، توطين الإنتاج، وبناء شراكات استراتيجية طويلة الأمد. في ذات الوقت، تستفيد الدول العربية من تحديث ترسانتها العسكرية وتنويع مصادرها، بينما تبقى المخاطر الاستراتيجية واضحة في ظل سباق تسلح محتمل وتوازن قوى متغير، ما يجعل المنطقة أكثر ديناميكية وتعقيدًا في المشهد العسكري الإقليمي.

