قمة بيشكيك: خارطة طريق عسكرية جديدة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي حتى 2030

أقرّ قادة دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي، خلال قمتهم المنعقدة في العاصمة القرغيزية بيشكيك، خطة موسّعة لتعزيز التعاون العسكري بين الدول الأعضاء حتى عام 2030، في خطوة تعكس توجهًا مشتركًا نحو رفع مستوى الجاهزية الدفاعية وتحصين فضاء المنظمة في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والدولية.
وخلال جلسات القمة، عرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أولويات بلاده لرئاسة المنظمة العام المقبل، مشددًا على أن موسكو تعتزم الدفع نحو تحديث القدرات القتالية وتطوير الصناعات الدفاعية المشتركة.
دعوة لتمديد "ستارت الجديدة"
وطالب قادة المنظمة الولايات المتحدة بدعم المبادرة الروسية الرامية إلى تمديد القيود الخاصة بمعاهدة "ستارت الجديدة" لعام إضافي، في محاولة للحفاظ على آخر اتفاق متبقٍّ بين موسكو وواشنطن للحد من الأسلحة النووية الاستراتيجية، بعد انهيار معظم معاهدات ضبط التسلح خلال الأعوام الماضية.
كما أكد القادة رفضهم أي تمدد عسكري لتحالفات أخرى باتجاه حدود المنظمة، في إشارة واضحة إلى توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي بات يقلق دول آسيا الوسطى بشكل متزايد.
مناورات ناجحة وتطوير جاهزية قتالية
القمة وصفت المناورات العسكرية الأخيرة التي أجرتها قوات المنظمة بأنها ناجحة، مع الاتفاق على توسيع نطاق التدريبات المشتركة ورفع مستوى التنسيق بين الجيوش، خاصة في مجالات الدفاع الجوي والطيران العسكري.
بيان ختامي يدعو لعالم متعدد الأقطاب
البيان الختامي ركّز على دعم نظام عالمي متعدد الأقطاب، وتعزيز التعاون مع الأمم المتحدة، إلى جانب الترحيب بأي اتفاق مستقبلي بين أرمينيا وأذربيجان، في ظل استمرار التوتر بين البلدين رغم الوساطات الدبلوماسية.
كما شددت الوثيقة على أهمية الحفاظ على "إرث النصر في الحرب العالمية الثانية"، وهي عبارة تكررها موسكو عادة في سياقات تتعلق بحماية الذاكرة التاريخية من محاولات "التشويه"، على حد تعبيرها.
روسيا تستعد لرئاسة المنظمة في 2026
وتضم المنظمة روسيا وأرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، ومن المقرر أن تتولى موسكو رئاستها بدءًا من الأول من يناير 2026 تحت شعار: "الأمن الجماعي في عالم متعدد الأقطاب".
بوتين يقترح برنامج تسليح مشترك
وفي كلمة موسّعة، أعلن بوتين أن روسيا ستعمل على تزويد قوات المنظمة بأسلحة حديثة أثبتت فعاليتها في ساحات القتال، مع التركيز على تطوير صناعات دفاعية مشتركة بين الدول الأعضاء.
وأشار إلى أن الأولويات تتضمن:
-
تعزيز قدرات الدفاع الجوي والطيران.
-
تنفيذ تمارين مشتركة للوحدات الخاصة.
-
تطوير تقنيات الحماية من هجمات المعلومات.
-
إعداد استراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب.
-
رفع كفاءة عمليات حفظ السلام.
كما دعا بوتين إلى عقد منتدى دولي للخبراء العام المقبل، يهدف إلى تطوير رؤية مشتركة لبناء "نظام أمني متوازن".
لوكاشينكو يحذر من "عسكرة أوروبا"
من جانبه، حذّر الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو من أن أوروبا تتجه نحو "عسكرة شاملة"، مشيرًا إلى أن الدول الغربية تزيد إنتاج السلاح وتحوّل ميزانياتها لتخدم اقتصاد الحرب.
وقال إن الولايات المتحدة وروسيا قادرتان على إنهاء المواجهة مع الاتحاد الأوروبي والدفع نحو تسوية مع أوكرانيا، معتبرًا أن كييف قد تضطر للقبول بالحلول السياسية بسبب وضعها الصعب على جبهات القتال.
وأضاف أن المخاطر تتصاعد على حدود المنظمة، خصوصًا في جناحها الغربي، في إشارة إلى بيلاروسيا التي تشهد توترات مستمرة مع الاتحاد الأوروبي والناتو.
كما حذّر من تحديات جديدة، بينها: الذكاء الاصطناعي في التطبيقات العسكرية، الطائرات المسيّرة ،والإرهاب السيبراني وحذر أيضاً من تهديدات تستهدف منشآت الطاقة، بما فيها النووية والكهرومائية
زيارة بوتين لبيشكيك
وكان بوتين قد وصل إلى مقر الرئاسة القرغيزية "ينتيماك أوردو" أمس الأربعاء، في زيارة رسمية تستمر يومين، قبل مشاركته في أعمال القمة. وضم الوفد الروسي أسماء بارزة من بينها دميتري بيسكوف، يوري أوشاكوف، ومسؤولون في قطاع الطاقة النووية وصناعة الدفاع.
ومن المقرر أن تُعقد القمة المقبلة للمنظمة في موسكو بتاريخ 11 نوفمبر 2026.
وفي سياق متصل، برزت بعض المواقف التحليلية التي تناولت مستقبل منظمة معاهدة الأمن الجماعي في ضوء مخرجات قمة بيشكيك. فقد اعتبر وزير الخارجية القرغيزي الأسبق أليكبك دجيكوشينكول أن تعزيز التعاون داخل المنظمة يمثل "عاملًا حاسمًا في استقرار آسيا الوسطى"، مشددًا على أن الأمن الإقليمي مترابط بطبيعته، قائلاً: "السلام في المنطقة يعني السلام في بيوتنا"، في إشارة إلى ضرورة الحفاظ على تماسك دول المنظمة وتطوير قدراتها المشتركة.
كما ظهرت تحليلات دولية تنتقد ما وصفته بـ"البراغماتية المفرطة" في السياسة الروسية تجاه تحالفاتها، معتبرة أن موسكو أحيانًا تتعامل مع التزاماتها في إطار المنظمة باعتبارها مصالح متغيّرة أكثر منها التزامات استراتيجية طويلة الأمد. ويحذّر هذا الطرح من أن الاعتماد الكامل على روسيا في تطوير القدرات العسكرية أو منظومات التسليح قد يحمل مخاطر مستقبلية، خاصة في حال تغيّر أولويات موسكو أو انشغالها بجبهات أخرى.
وتضيف هذه المقاربات أن دول المنظمة بحاجة إلى تنويع أنماط التعاون العسكري، وتوسيع الشراكات الدفاعية، لضمان عدم الارتباط المفرط بسياسات القوة الكبرى داخل التحالف، ولتعزيز استقلالية القرار الأمني للدول الأعضاء على المدى الطويل.

