تراث محمود السعدني بين القرصنة الإسرائيلية وصمت المؤسسات… من يحمي ذاكرة مصر الثقافية؟

تظل مؤلفات الكاتب الصحفي الكبير محمود السعدني علامة بارزة في تاريخ الصحافة المصرية والعربية. فالرجل، الذي جمع بين خفة الظل والسخرية السياسية العميقة، قدّم في كتاباته شهادات حيّة على تحولات سياسية كبرى شهدتها مصر خلال القرن العشرين. ولذا تُعد أعماله، على الرغم من طابعها الكوميدي، وثائق ذات قيمة تاريخية وفكرية تُدرَّس في مدارس الصحافة العربية قبل المصرية نفسها، لما تتضمنه من قراءة دقيقة لأروقة السياسة وأسرارها في تلك الحقبة.

ومع تمدد العولمة الرقمية، أصبحت كتب السعدني — مثل غيرها — متاحة بسهولة عبر منصات أجنبية لا تعترف بحقوق النشر أو الملكية الفكرية، فتتداولها بلا ضوابط ولا احترام لحقوق الورثة أو دور النشر التي نشرت أعماله عبر عقود طويلة. إلا أن المدهش والمثير للغضب كان ما كشفه الكاتب الصحفي أكرم السعدني، نجل الكاتب الراحل، إذ أعلن عبر صفحته أن دولة الاحتلال الإسرائيلي قامت بنشر أعمال والده كاملة عبر موقع رسمي تابع لها، متجاوزة كل القوانين الدولية الخاصة بحقوق النشر.

وببحث سريع تبيّن بالفعل وجود نسخٍ رقمية كاملة لمعظم — إن لم يكن كل — مؤلفات محمود السعدني منشورة على ذلك الموقع، رغم تنوّع الجهات الأصلية التي تمتلك حقوق النشر؛ من بينها: دار الشروق، وأخبار اليوم، ودار المعرفة، ومركز الأهرام، ودار العودة، ودار الوحدة، ودار سعاد الصباح، وحتى دار نشر بريطانية.

وعند سؤال الأستاذ أكرم السعدني عمّا إذا كانت تلك الجهة قد حصلت على أي إذن من الأسرة، نفى ذلك تمامًا، مؤكدًا عدم وجود أي تواصل أو مراسلات. ولدى سؤاله عن إمكانية مقاضاة الجهة المعتدية، قال إنه يرفض الإقدام على أي خطوة قانونية، خشية أن يُقترن اسمه أو اسم أسرته بجهة ينأى بنفسه عنها تمامًا، رافضًا فتح أي قناة اتصال — مباشرة أو غير مباشرة — مع دولة الاحتلال.

ومن هنا يبرز السؤال الملحّ: من يحمي التراث الفكري المصري من التغول الإسرائيلي ومن انتهاكات الملكية الفكرية التي تتخذ شكل سطو ثقافي مُمنهج؟ وكيف يمكن لمواطن مصري أن يطالب بحقه دون أن يتورط — قسرًا — في علاقات قد تُفهم على أنها تطبيع غير مقصود؟

الحل، كما يبدو، لا يمكن أن يكون فرديًا. فالمواجهة المؤسسية وحدها قادرة على حفظ حقوق المبدعين المصريين وصون تراثهم من الاستباحة، كما أنها تُغلق الباب أمام محاولات الاحتلال لفتح مسارات تواصل ثقافية ملتوية قد تُستغل لاحقًا سياسيًا. الرد الرسمي من الجهات المعنية — الثقافية والقانونية والدبلوماسية — هو الخيار الأكثر قوة وشرعية، وهو الطريق الوحيد لضمان حماية الإرث الأدبي لمصر من السرقة والانتهاك.

