وزير الثقافة في أسيوط… زيارة رقابية تعيد صياغة دور قصور الثقافة في المجتمع المصري

تابعتُ باهتمام كبير زيارة الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، لقصر ثقافة أسيوط، وما أثارته من انطباعات حول قدرته على فهم طبيعة العمل الثقافي وآليات تطويره بما يحقق مردودًا ثقافيًا واقتصاديًا في آن واحد. ورغم أن الزيارة بدت للوهلة الأولى زيارة روتينية ضمن جدول الوزير، فإنها حملت في مضمونها دلالة مهمة تؤكد ممارسة الوزير لدور رقابي مباشر على مؤسسات وزارته، وهو نهج يستحق الإشادة، ويمثل خطوة في الاتجاه الصحيح نحو تفعيل الرقابة من أعلى هرم الإدارة الثقافية.

إن وضع ضوابط واضحة واستراتيجية فعّالة لعمل قصور وبيوت الثقافة في مختلف المحافظات يحتاج إلى قدر كبير من الشفافية، وإلى رؤية واعية لطبيعة تأثير الثقافة في تشكيل وعي المجتمع المصري، وتعزيز قيم الأدب والفن والابتكار. فالثقافة ليست ترفًا كما يظن البعض، بل هي روح المجتمع، ومن دونها يفقد الإنسان قدرته على الإبداع والتطور.
وقد لفت نظري خلال الزيارة التركيز الملحوظ على الأنشطة السينمائية على حساب باقي الفنون، إضافة إلى الاهتمام بالشكل التنظيمي لقاعات الفنون التشكيلية أكثر من الاهتمام بالمحتوى الإبداعي نفسه. فالفنان الحقيقي لا يحتاج دائمًا إلى إمكانات ضخمة ليثبت موهبته؛ قد يبدع بريشة بسيطة أو قلم رصاص على ورقة قديمة، كما يستطيع المؤلف الموسيقي ابتكار لحن جديد بصوته أو بخياله فقط. لكن هذه المواهب تحتاج إلى بيئة حاضنة، ورعاية منهجية، وبرامج تدريبية تصقل إمكاناتها، حتى نتمكن من بناء هوية ثقافية راسخة في مجتمع باتت الأغلبية فيه تميل إلى الجوانب المادية على حساب الإبداع.

وفي هذا السياق، تُعد زيارة الوزير إلى أسيوط خطوة مهمة، ليس فقط من حيث المتابعة، بل من حيث إعادة التأكيد على أن الدور الرقابي لوزارة الثقافة ضرورة ملحّة لضمان تطوير المؤسسات الثقافية وتمكينها من أداء رسالتها الحقيقية. ونأمل أن تتواصل مثل هذه الزيارات وأن تتوسع في الفترة المقبلة، بما يسهم في رفع كفاءة العمل الثقافي وتعزيز أثره في المجتمع.

