أسامة شرشر يكتب: سمـعة وطن

فكرت جديًّا في المهازل الانتخابية التى حدثت في المرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب على مستوى محافظات صعيد مصر العظيم والوادي الجديد ومطروح والبحيرة والإسكندرية العزيزة علينا جميعًا، فالشكاوى التى ظهرت من بعض المرشحين كشفت عن تجاوزات ومهاترات ومهازل لم تحدث على نطاق أي انتخابات برلمانية من قبل، حتى انتخابات 2010 التى كانت سببًا من ضمن أسباب غضب الشعب المصري وقتها. وهذا يعطي دلالة على تفكير العقل الجمعي للمصريين والرفض الكامل والراسخ في نفوس المواطنين، خاصة بعد أن أصبحت السوشيال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعي تكشف عورات ومهازل الخروج عن القانون.
فصرخات المرشحين المستقلين كشفت مطالبتهم من قِبل بعض الأحزاب التى تسمى (وطنية) بعشرات الملايين من الجنيهات مقابل الترشح، فضلًا عن الكارثة الكبرى التى كشفت عورات ما يُسمَّى بالقائمة المطلقة، وقد سبق أن قال الدكتور جودة عبدالخالق إنه اعترض عليها أثناء الحوار الوطني لأنها لا تكشف علاقة الناخب بالمرشح بل يهبط عليهم مرشح ببارشوت المال والنفوذ مجهول المصدر.
فكانت الاستغاثات تلو الاستغاثات لرئيس الجمهورية أن يتدخل لوقف هذه المهزلة ضد مرشحين مستقلين وسيدات فضليات، فمرشحة قالت إن أحد الأحزاب طلب منها مبلغ 30 مليون جنيه لترشيحها على مقعد الحزب، وأحد المرشحين في دائرة القاهرة الجديدة قال إنه طُلب منه 20 مليون جنيه، ومرشح آخر من إيتاي البارود قال إنه أُبلغ أنه وصل للإعادة بعد أن تم إبلاغه أنه قد نجح، وأعلن انسحابه من ماراثون الانتخابات، وكانت الطامة الكبرى عندما انسحبت النائبة نشوى الديب قبل بدء الانتخابات، وجاءت صرخات الدكتورة شادية ثابت في انتخابات إمبابة لتطلب تدخل الرئيس وقرينته السيدة انتصار السيسي والمجلس القومي للمرأة، وأنها تنافس وسط 12 مرشحًا يوجهون الناخبين ضدها.
كل هذه الصرخات والمهازل جعلتنا نتوقف أمام سمعة وطن، وحدثت انتفاضة شعبية للرأي العام في مصر في الداخل وفي الخارج، وأصبحت الفيديوهات تلو الفيديوهات تكشف ما يدور في الانتخابات من استخدام مال سياسي لا نعرف مصدره وكراتين تُوزَّع على الغلابة، وأصبح المواطن المصري غاضبًا من هذا الفساد والإفساد الذي لم يحدث في تاريخ الانتخابات المصرية، وإن كان حدث في الماضي أيام الحزب الوطني المنحل فإنه كان يحدث بطريقة محترفين وترزية انتخابات وليس هواة أضاعوا سمعة البلاد وسمعة مصر وسمعة وطن، في توقيت هام وخطير نحتفل فيه بافتتاح المتحف المصري الكبير الذي شيده وبناه شباب المصريين امتدادًا للأجداد؛ فصار التواصل الحضاري بين القديم والجديد مذهلًا للعالم.
وعلى الجانب الآخر من الأحداث وفي الضفة الأخرى منها استطاع الرئيس السيسي أن يوقف التهجير من غزة وتصفية القضية الفلسطينية، وأقامت مصر بقيادتها وجيشها وجهاز مخابراتها العظيم ومن ورائهم الشعب المصري أهم مؤتمر للسلام في شرم الشيخ، وجاء رئيس أكبر دولة في العالم دونالد ترامب رئيس أمريكا لتوقيع اتفاقيات وقف إطلاق النار من القاهرة وشرم الشيخ.
وفي هذا الوقت الذي يعلو فيه اسم مصر في سماء العالم جاءت الفضيحة والكارثة الكبرى التى جعلتنا نفكر: لماذا يحدث ذلك؟! ولمصلحة من؟!
فبالأمس القريب أُجريت الانتخابات في العراق الشقيق وأشاد بها المراسلون الأجانب والمنظمات الحقوقية، وكانت تجربة جيدة، ونحن لدينا أقدم برلمان في المنطقة وثالث أقدم برلمان في العالم الذى أنشئ سنة 1866م، ومع ذلك تحدث لدينا هذه الفوضى والعشوائية الانتخابية التى أصبحت حديث الرأي العام المصري وحديث وسائل الإعلام العربية والدولية؟ هذا التعامل منح كتائب الإخوان الإلكترونية مثل موقع رصد وأشباهه فرصة للصيد في الماء العكر، لأنهم يقومون بنقل كل هذه المواقف وكل هذه الشكاوى التى تسىء لسمعة مصر أمام العالم كله.. بينما نحن نتعامل كأن مصر تُجرى فيها انتخابات برلمانية لأول مرة!
وأعتقد أن المتهم الرئيسي في كل ذلك هو الأحزاب السياسية التى جاءت من فراغ شعبي وابتدعت بدعة تسىء للعملية الانتخابية بالكامل ولم نسمع عنها من قبل، وهي بدعة القائمة الموحدة لأحزاب مختلفة أيديولوجيًّا وسياسيًّا، وروّجوا لها باعتبارها تحالفًا انتخابيًّا وليس تحالفًا سياسيًّا، ولكن مثل هذه القوائم، ومثل هذا التعامل مع المرشحين المستقلين، تفرز نوابًا لا يدركون قيمة البرلمان المصري ولا قيمة النائب الذي يمثل الأمة المصرية ولا يعرف معنى التشريع أو الرقابة البرلمانية، بل الكثير منهم- وليس الكل حتى أكون منصفًا- يجهل أهم أدوات الرقابة البرلمانية وهي أن نائب الأمة هو الذي يستطيع أن يراقب ويحاسب الحكومات.
فما جرى وصمة عار لهذه الأحزاب التى اهتمت بالمنصب على حساب التدقيق في اختيار الأشخاص والنماذج من الشرفاء والأكفاء والمستقلين، ومصر مليئة بهؤلاء، ولكن أن يصل الحال بنا إلى ما جرى ويجري وسيجري في المرحلة الثانية من الانتخابات، فهذا إنذار للجميع أننا لا نعرف قيمة مصر وشعبها الأصيل، وكما قال نابليون بونابرت سنة 1798 (من يمتلك مصر فإنه يمتلك مفاتيح الشرق).
هل تعلمون ما معنى امتلاك مفاتيح الشرق؟ ليس الامتلاك المادي فقط، ولكنه التأثير والقوة الثقافية والحضارية والتاريخية والتنوير والرأي والرأي الآخر وفتح النوافذ والشبابيك أمام الشعب ليمارس أبسط حقوقه الدستورية والتشريعية في اختيار نائبه القادم، والتسامح الديني الذي تنشره مصر بلد الأزهر الشريف والكنيسة الوطنية العظيمة، والقوة العسكرية التى يمثلها خير أجناد الأرض من رجال القوات المسلحة المصرية، ومعنى الأمن والأمان الذى يمثله رجال الشرطة المصرية، والعدل الذي يحكم به قضاء مصر الشامخ والمستقل، ولا ننسى علماء مصر في كل المجالات، ولكن للأسف الشديد جاءت اختيارات الأحزاب لبعض هؤلاء المرشحين مسيئة لسمعة الوطن وسمعة الشعب المصري.
وأخيرًا أقترح على كل أبناء مصر الشرفاء من المستقلين والوطنيين في داخل مصر وخارجها وما أكثرهم، أن يتم تدشين حزب جديد نسميه (حزب سمعة وطن) وليس مستقبل وطن يضم كل هذه الكفاءات والعقليات التى أذهلت العالم بالعقلية المصرية المبدعة وبما تمتلكه مصر من شباب يمثلون 70% من أهلها، وهم شباب نجحوا في كل الميادين، وسيدات وشابات استطعن بعلمهن وتفوقهن أن يصلن إلى أعلى المراتب والمناصب.
وهذا الحزب إذا تم إنشاؤه سيكون نقطة مضيئة في سماء قاهرة المعز، يجمع المصريين ولا يفرقهم بلا إقصاء أو تمييز أو احتكار أو استقطاب للأغنياء على حساب شرفاء هذا الوطن، ويعطى إشارة حضارية وسياسية للجميع أن مصر تمتلك ما لا يمتلكه الآخرون من عقول قادرة على رفع اسم مصر وسمعة وطن في كل الميادين، وخاصة الميدان البرلماني والسياسي الذي أصبحت فيه الصورة معتمة وسلبية ومستفزة لمشاعر الشعب المصري، على أن يكون هذا الحزب (سمعة وطن) نواة جديدة تضىء الطريق لكل الضالين الذين لم يحافظوا على اسم مصر وشعبها، وتخيلوا أنه لمجرد امتلاكهم المال مجهول المصدر سيعيثون في الحياة السياسية فسادًا وإفسادًا لم يحدث له مثيل من قبل.
هؤلاء ليسوا منا ولسنا منهم، لأن ما جرى في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية نقطة سوداء في جبين الحياة السياسية والحزبية والبرلمانية المصرية لا يمحوها إلا إلغاء الانتخابات عامة، وإجراء انتخابات جديدة ووضع قواعد بألا تصدر تعليمات للعمد والمشايخ وأصحاب المصانع لانتخاب رقم 1 و2 من مرشحي الفردي، ومن هنا نعيد الثقة مع الشعب ونفتح صفحة جديدة مع الشعب احتراما لإرادته وبهذا يدخل الرئيس السيسي التاريخ من أوسع أبوابه كأول رئيس مصري يستجيب لإرادة شعب ويحمي (سمعة وطن).

