موسوعة جديدة تعيد بناء الوعي المصري.. إطلاق المرجع في تحديات الهوية كأول عمل موسوعي شامل منذ سليم حسن

أطلق مركز دراسات الهوية وحفظ التراث الجزء الأول من موسوعته الجديدة «المرجع في تحديات الهوية المصرية»، وهو عمل بحثي موسوعي يعيد فتح صفحات التاريخ ليكشف كيف صمدت الهوية المصرية أمام محاولات الطمس والتزييف عبر آلاف السنين. يمثّل هذا الإصدار خطوة تأسيسية في مشروع ثقافي يمتد لسبعة أجزاء يغطي فيها تاريخ الهوية منذ ما قبل التدوين وحتى العصر الحديث، في محاولة لرسم صورة شاملة وحقيقية للهوية المصرية كما تشكلت وكما يجب أن تُفهم اليوم.

قدّمت العمل الدكتورة هدى عبدالعزيز، استشاري المناهج التعليمية والمتخصصة في الحضارة المصرية القديمة، وشاركها الدكتور عمر المعتز بالله أستاذ تاريخ وفلسفة الفن المصري القديم في التحقيق العلمي للمادة. ويأتي هذا الجهد ليملأ فراغًا امتد لعقود؛ فآخر موسوعة مصرية متكاملة من هذا النوع كانت موسوعة سليم حسن «مصر القديمة» قبل أكثر من سبعين عامًا، ما يجعل صدور موسوعة حديثة حول الهوية ضرورة ملحّة في ظل التطورات الراهنة وتشابك السرديات التاريخية.

يعتمد المرجع على أحدث الدراسات والأدلة العلمية، ويقدّم قراءة تحليلية لكيفية تشكّل الهوية المصرية، وللآليات التي استُهدفت من خلالها الذاكرة واللغة والرموز. كما يطرح أسئلة جوهرية: أين فقدنا بوصلتنا الحضارية؟ وكيف يمكن استعادتها؟ ولماذا كانت الهوية المصرية عبر التاريخ هدفًا لموجات ممنهجة من التشويه؟
ورغم لغته الأكاديمية، يحرص المركز على إتاحة محتواه لجمهور أوسع، خاصة الأجيال الجديدة غير المعتادة على القراءة التقليدية، عبر تبسيط المادة العلمية وتحويلها إلى لقاءات وورش تفاعلية تناسب ذوق الشباب. ومن أبرز المبادرات التي أطلقها المركز: درس التحنيط ورسائل إلى الموتى، وهي تجارب معاصرة أعادت الجمهور إلى عمق الحضارة المصرية بعيون جديدة.
ويرى القائمون على المشروع أن الموسوعة يمكن أن تشكّل مرجعًا مهمًا للمدارس والجامعات، خاصة في وقت يتزايد فيه اعتماد النشء على التكنولوجيا على حساب القراءة المعرفية. ويؤكدان أن العمل جهدٌ جماعي داخل المركز، يجمع بين البحث الأكاديمي والأنشطة الثقافية لنشر الوعي بالتراث والهوية المصرية في صورتها العلمية الرصينة والمبسّطة في آن واحد.

- دكتورة هدى، حدثينا عن موسوعة «المرجع في تحديات الهوية المصرية»، ماذا تمثل هذه الموسوعة؟
د. هدى عبدالعزيز: الموسوعة ليست مجرد كتاب، بل مشروع وطني شامل. هدفه مواجهة محاولات التشويه التي تتعرض لها الهوية المصرية، خصوصًا في زمن تتداخل فيه الأصوات وتتنازع الروايات. وهي البداية لسلسلة موسوعية من سبعة أجزاء تغطي تاريخ الهوية منذ فجر التاريخ حتى العصر المعاصر.
- ولماذا تعد هذه الموسوعة مهمة في الوقت الحالي؟
د. هدى عبدالعزيز: الحقيقة أن آخر موسوعة مصرية متكاملة صدرت كانت موسوعة سليم حسن «مصر القديمة» قبل نحو سبعين عامًا. لذا، وجود موسوعة حديثة يعتمد على أساليب بحث علمية جديدة ويقدّم مدخلاً محددًا وواضحًا لمفهوم الهوية المصرية، أصبح ضرورة في ظل التطورات الراهنة والأحداث المتسارعة.
- لغتها أكاديمية بعض الشيء، هل هذا لا يشكل تحديًا للقراء الجدد؟
د. هدى عبدالعزيز: بالفعل، اللغة أكاديمية لكنها قابلة للتبسيط. نسعى لجعل المحتوى متاحًا لطلاب الدراسات العليا والباحثين، وأيضًا يمكن تبسيطه لطلاب المدارس والجامعات. لذلك ننظم ندوات وورش تفاعلية تحوّل المادة الأكاديمية إلى تجربة جذابة تناسب الشباب، الذين يفضلون التفاعل على القراءة التقليدية.
- وهل يمكن الاستفادة من هذه الموسوعة في المدارس والجامعات؟
د. هدى عبدالعزيز: بالتأكيد. يمكن دمج محتوى الموسوعة المبسط في المناهج، أو استخدامه في الأنشطة الطلابية والندوات. الفكرة أن يكون التاريخ أداة وعي وبناء، لا مجرد مادة للحفظ.
- هل هذا عمل فردي أم جماعي؟
د. هدى عبدالعزيز: العمل جماعي، وأشترك فيه أنا والدكتور عمر المعتز بالله، ضمن جهود مركز دراسات وحفظ الهوية، الذي ينظم الفعاليات، ويصدر الكتب، ويقوم بالدراسات، كل ذلك لنشر الوعي بالهوية المصرية وتعزيز علاقتها بالأجيال الجديدة.
- إذن، المشروع لا يقتصر على الكتاب، بل يمتد ليشمل تجربة ثقافية كاملة؟
د. هدى عبدالعزيز: بالضبط. الموسوعة جزء من مشروع أكبر، يشمل محاضرات، عروض تعليمية، وورش مبتكرة تربط الشباب بتراثهم، لتصبح الهوية المصرية حية ومتفاعلة مع واقعهم، لا مجرد صفحات محفوظة على الرفوف.

