النهار
جريدة النهار المصرية

اقتصاد

وزير الصحة: القيادة السياسية في مصر تضع صحة المواطن في صدارة أولوياتها

الدكتور خالد عبد الغفار
هند شاهين -

في إطار فعاليات النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية (PHDC’25)، الذي يُعقد تحت رعاية فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، نظمت الهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل جلسة نقاشية رفيعة المستوى تحت عنوان “تعزيز الرعاية الصحية الأولية: ضرورة لتحقيق التغطية الصحية الشاملة”، وذلك بمشاركة نخبة من أبرز القادة وصناع القرار والخبراء الدوليين في مجالات الصحة والتنمية، وبحضور ممثلين عن المنظمات الإقليمية والدولية وشركاء التنمية، بفندق سانت ريجيس الماسة بالعاصمة الإدارية الجديدة.

تأتي الجلسة في إطار الدور الريادي الذي تضطلع به الهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل في دعم التحول نحو نظام صحي شامل ومستدام، وتعزيز التعاون بين شركاء التنمية على المستويين الوطني والدولي، بما يتماشى مع رؤية المؤتمر التي تركز على "تمكين الأفراد… تعزيز التقدم.. إتاحة الفرص". وهدفت الجلسة إلى مناقشة الاستراتيجيات والتحديات والنماذج المبتكرة لتقوية نظم الرعاية الصحية الأولية، باعتبارها الركيزة الأساسية لتحقيق التغطية الصحية الشاملة، والمنطلق الأهم لضمان الوصول العادل إلى الخدمات الصحية دون عبء مالي على المواطنين.

وخلال الجلسة، أشار الدكتور خالد عبد الغفار نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية ووزير الصحة والسكان في كلمته الافتتاحية، إلى أن تحقيق التنمية البشرية المستدامة يبدأ من الاستثمار في صحة الإنسان، موضحًا أن الرعاية الصحية الأولية تمثل ركيزة أساسية في بناء رأس المال البشري، ورافدًا محوريًا لتحقيق أهداف الدولة في التنمية.

وأشار إلى أن القيادة السياسية في مصر تضع صحة المواطن في صدارة أولوياتها، من خلال التوسع في تطبيق نظام التأمين الصحي الشامل، وتبني سياسات وطنية تُعزز من كفاءة الخدمات وجودتها، بما يضمن تحقيق العدالة الصحية وتكافؤ الفرص لجميع فئات المجتمع.

وأضاف وزير الصحة والسكان، أن الاهتمام بالرعاية الصحية الأساسية وطب الأسرة هو الأساس في تقدم الرعاية الصحية بأي دولة، مؤكدا أن الدولة المصرية معنية ومهتمة بشكل كبير بتطوير أداء وحدات الرعاية الأساسية لخدمة ورعاية المريض.

وأشار الوزير، إلى أنه لم يكن من السهل تغيير ثقافة المواطن في التواصل مع وحدات الرعاية الصحية الأساسية باعتبارها وحدة الإحالة، ولكن تم تفعيل ذلك مع تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل في ٦ محافظات حتى الآن، حيث تستقبل هذه الوحدات معظم الحالات، بينما نسبة ٢٠٪ - ٢٥٪ فقط يتم التحويل للوحدات الثانوية، ومن تلك الإحالة ينتقل مع المريض كافة الفحوصات الخاصة به وكذا تاريخه الطبي.

وأشار الدكتور خالد عبد الغفار، إلى أن وزارة الصحة لديها ٥٤٠٠ وحدة رعاية صحية أولية على مستوى الجمهورية ونحاول تحسين الأداء في تلك الوحدات دون انتظار دخولها لمنظومة التأمين الشامل، مشيراً إلى أنه تم تكريم عدد من الوحدات مؤخرا من جانب الوزارة لأنها نجحت في زيادة أعداد المترددين عليها من ألفين إلى أكثر من ١١ ألف متردد الفترة الماضية، مما يعكس الثقة في أداء تلك الوحدات.

أدارت الجلسة مي فريد المدير التنفيذي للهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل – التي أكدت أن الرعاية الصحية الأولية تمثل الأساس الحقيقي لأي نظام صحي عادل وفعّال، وأن الاستثمار فيها هو الخيار الأكثر كفاءة من حيث العائد، حيث تُظهر الأدلة أن كل دولار يُستثمر في هذا المجال يحقق عائدًا اقتصاديًا قدره 2.3 دولار، وأوضحت أن الدول التي تخصص ما لا يقل عن 70% من ميزانياتها الصحية للرعاية الأولية تحقق انخفاضًا بنسبة 40% في الوفيات التي يمكن تجنبها، وتحسنًا بنسبة 25% في الحماية المالية للأسر، وهو ما يعكس الأثر المباشر للاستثمار في هذا القطاع الحيوي على صحة الإنسان والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

واستعرضت الأستاذة مي فريد تجربة مصر في تطوير خدمات الرعاية الصحية الأولية ضمن نظام التأمين الصحي الشامل، الذي بدأ تطبيقه عام 2018 ويغطي حاليًا أكثر من 5 ملايين مواطن في محافظات بورسعيد، الأقصر، الإسماعيلية، جنوب سيناء، السويس، وأسوان. وأكدت أن النظام المصري جعل من الرعاية الأولية قلب الإصلاح الصحي الوطني، موضحةً أن البيانات الصادرة عن الحسابات الصحية الوطنية لعام 2019/2020 تُظهر بوضوح مدى التقدم في إعادة توجيه الموارد نحو هذا القطاع، حيث ارتفعت نسبة الإنفاق على خدمات الرعاية الأولية من 46.2% عام 2018 إلى 55.3% بعد تطبيق النظام، كما ارتفعت مساهمة الحكومة إلى 51.5% من إجمالي الإنفاق الحكومي الصحي مقارنة بـ48.7% في عام 2018.

وأضافت المدير التنفيذي أن هذه المؤشرات تعكس التزام الدولة الجاد بإعادة توجيه النظام الصحي نحو الرعاية الأولية، مشيرةً إلى أن محافظة بورسعيد – أولى المحافظات التي طُبق بها النظام – تُعد نموذجًا واضحًا لهذا التوجه، إذ تجاوز نصيب الفرد من الإنفاق على الرعاية الأولية فيها المتوسط الوطني البالغ 1558 جنيهًا ليصل إلى 2222 جنيهًا للفرد. وأكدت أن هذه النتائج تجسد رؤية مصر في بناء نظام صحي شامل ومستدام، يقوم على الوقاية والرعاية المتكاملة ويحقق العدالة الصحية لكل المصريين.

شارك في الجلسة الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية ووزير الصحة والسكان – ومعالي الأستاذ الدكتور صالح مهدي الحسناوي، وزير الصحة بدولة العراق – والأستاذة الدكتورة مها الرباط، وزيرة الصحة والسكان السابقة – والدكتورة فاديا سعده، المديرة الإقليمية للتنمية البشرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان بالبنك الدولي– والدكتور أدهم إسماعيل، مدير إدارة البرامج بالمكتب الإقليمي لشرق المتوسط في منظمة الصحة العالمية – والسيد عمر مهنا رئيس مجلس إدارة غرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة – والسيد محمد عبد الله، الرئيس التنفيذي لشركة فودافون مصر.

ناقشت الجلسة أبرز الدروس المستفادة من التجارب الوطنية والدولية في إعادة توجيه النظم الصحية نحو الرعاية الأولية، مع التركيز على تجارب ناجحة من مصر والبرازيل وتايلاند، حيث تم استعراض أطر الحوكمة والسياسات الداعمة، وآليات التمويل المبتكرة، ودور القيادة السياسية في ضمان استدامة الاستثمار في هذا القطاع الحيوي، إلى جانب أهمية إشراك المجتمعات المحلية وأصحاب المصلحة لضمان استجابة النظام الصحي لاحتياجات المواطنين.

كما أوضح الدكتور صالح مهدي الحسناوي – وزير الصحة بدولة العراق – أن الحوكمة الرشيدة والتمويل المستدام وبناء القدرات البشرية تمثل ركائز أساسية لضمان فاعلية النظام الصحي، مشيرًا إلى أن العراق يعمل حاليًا على تمكين الكوادر الصحية وتحسين آليات التمويل لضمان وصول الخدمات الصحية لجميع المواطنين بعدالة وكفاءة، بما يعزز قدرة النظام الصحي على الاستجابة للتحديات الحالية والمستقبلية.

من جانبها، أكدت الأستاذة الدكتورة مها الرباط – وزيرة الصحة والسكان السابقة – أن إعادة توجيه النظام الصحي المصري نحو الرعاية الصحية الأولية يُعد من أبرز خطوات الإصلاح التي شهدها القطاع خلال السنوات الأخيرة، حيث تم بناء نموذج متكامل يربط بين الوقاية والعلاج ويضع المواطن في قلب المنظومة.

وأوضحت أن التجربة المصرية أثبتت أن الاستثمار في الرعاية الأولية هو المدخل الحقيقي لتحقيق التغطية الصحية الشاملة، داعية إلى تعزيز التكامل بين القطاعات الصحية لضمان استدامة هذا النظام.

كما أشارت الدكتورة فاديا سعده – المديرة الإقليمية للتنمية البشرية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، البنك الدولي – إلى أن آليات التمويل المبتكرة والشراء الاستراتيجي للخدمات الصحية أصبحت من أهم الأدوات التي تسهم في تحسين كفاءة الإنفاق الصحي وتعزيز جودة الخدمات. وبيّنت أن البنك الدولي يدعم الدول في تبني نظم تمويل تضمن العدالة والاستدامة، من خلال توجيه الموارد نحو الرعاية الأولية باعتبارها خط الدفاع الأول ضد الأمراض، ومصدر الحماية المالية للأسر، وركيزة أساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

كما تناول الدكتور أدهم إسماعيل – مدير إدارة البرامج بالمكتب الإقليمي لشرق المتوسط، منظمة الصحة العالمية – أهمية أطر الحوكمة الإقليمية في دعم نظم الرعاية الصحية الأولية، مشيرًا إلى أن تبادل الخبرات وتطبيق النماذج الناجحة بين دول الإقليم يُسهم في تسريع وتيرة الإصلاح الصحي. وأكد أن منظمة الصحة العالمية تضع دعم الدول في تطوير أطر الحوكمة والسياسات الصحية على رأس أولوياتها، لضمان توفير خدمات رعاية أولية متكاملة، عالية الجودة، ومبنية على أسس العدالة والإنصاف.

وفي السياق ذاته، أشار السيد عمر مهنا – رئيس غرفة التجارة الأمريكية في مصر – إلى أن القطاع الخاص شريك رئيسي في دعم جهود الدولة لتطوير البنية التحتية للرعاية الصحية الأولية، موضحًا أن الاستثمار في هذا القطاع لا يحقق فقط عوائد اقتصادية، بل يسهم أيضًا في تحقيق التنمية المجتمعية. وأكد أن التعاون بين القطاعين العام والخاص يُمثل نموذجًا فاعلًا لتوسيع نطاق الخدمات، وتحسين كفاءتها، وتعزيز الابتكار في تقديم الرعاية الصحية للمواطنين.

كما أوضح السيد محمد عبد الله - الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة ڤودافون مصر والرئيس الإقليمي للأسواق الدولية بمجموعة ڤوداكوم أن التحول الرقمي أصبح محركًا أساسيًا لتطوير خدمات الرعاية الصحية الأولية، موضحًا أن التكنولوجيا الحديثة تُسهم في تحسين الوصول إلى الخدمات، وتيسير إدارة الموارد، وتعزيز كفاءة النظام الصحي. وأضاف أن ڤودافون مصر تعمل على دعم التحول الرقمي في القطاع الصحي من خلال حلول ذكية تسهم في تعزيز التواصل بين مقدمي الخدمة والمستفيدين، وترسيخ مفهوم الرعاية الصحية المتكاملة القائمة على البيانات والتحليل.

وأكد المشاركون أن تجربة مصر تُعد نموذجًا ملهمًا في بناء منظومة صحية قادرة على الصمود وتوسيع نطاق التغطية الصحية الشاملة. كما شددوا على ضرورة تعزيز التكامل بين الرعاية الأولية والخدمات الصحية المتخصصة، والابتكار في آليات التمويل، وتفعيل الشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني لضمان استدامة الخدمات واستجابتها لاحتياجات المواطنين.

واختُتمت الجلسة بتأكيد المشاركين على أهمية تأمين التزامات سياسية رفيعة المستوى لضمان إدراج الرعاية الصحية الأولية ضمن أولويات الأجندات الصحية الوطنية، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي لتبادل الخبرات وتبني حلول قائمة على الأدلة. كما دعا الحضور إلى بناء زخم سياسي جديد لترسيخ الرعاية الأولية كأساس لتحقيق العدالة الصحية والاجتماعية، بما يسهم في تمكين الإنسان، وتعزيز التنمية، وتحقيق رؤية مصر نحو نظام صحي شامل ومستدام.