النهار
جريدة النهار المصرية

عربي ودولي

السودان ضحية الصراع بين القوي الكبري والصغري علي ثرواته

حميدتي والبرهان
هالة عبد الهادي -

يتصاعد سباق النفوذ في البحر الأحمر بين موسكو وواشنطن، في مشهد يعيد رسم خريطة التوازنات الإقليمية داخل واحدة من أكثر المناطق حساسية في العالم. فقد عرض الجيش السوداني على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب صفقة تقضي بوقف إنشاء القاعدة الروسية في بورتسودان، مقابل السماح بوجود عسكري أميركي وتطبيع مع إسرائيل، إلى جانب المطالبة بتصنيف قوات الدعم السريع منظمة إرهابية، والضغط على الإمارات لوقف دعمها لها.

هذه المقايضة جاءت في توقيت بالغ الدقة، إذ تتسابق موسكو لتعزيز وجودها في البحر الأحمر، بعد سنوات من المفاوضات لإقامة قاعدة بحرية تمنحها منفذًا استراتيجيًا نحو المحيط الهندي. في المقابل، تدرك واشنطن أهمية بورتسودان بوصفه أحد الممرات التجارية الحيوية في طريق التجارة العالمية، لكنها تتوجس من أن أي خطوة غير محسوبة قد تنعكس سلبًا على حضورها العسكري والسياسي في المنطقة.

وفي حديث خاص لـ"النهار"، قالت أستاذة العلوم السياسية وخبيرة الشؤون الإفريقية، الدكتورة نجلاء مرعي:"إن الحرب الدائرة في السودان لا يمكن فصلها عن مشهد الصراعات الكبرى في الإقليم، خصوصًا الحرب الإسرائيلية على غزة وصراع القوى الدولية في إفريقيا"، مضيفة أن السودان تحول إلى ساحة تنافس مفتوحة بين واشنطن وموسكو، نظرًا لموقعه الاستراتيجي وثرواته الطبيعية ومينائه البحري الحيوي على البحر الأحمر.

وتؤكد مرعي:"أن الولايات المتحدة تستخدم كل أدواتها السياسية والاقتصادية في السودان، انطلاقًا من إدراكها أن هذا البلد يشكل بوابة حيوية للنفوذ في شرق إفريقيا والبحر الأحمر. فموقع ميناء بورتسودان، الممتد بين قناة السويس ومضيق باب المندب، يمنحه أهمية استثنائية في حركة التجارة والملاحة الدولية، ما يجعله محورًا في سباق المصالح بين القوى الكبرى".

لكن المشهد يزداد تعقيدًا بحسب الخبيرة مع التحركات السودانية الأخيرة التي تميل إلى تعزيز العلاقات مع روسيا، رغم اعتراضات قوى سياسية داخلية. وتشير إلى أن قيادات في الجيش السوداني أبدت انفتاحًا على منح موسكو قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، في إطار اتفاق يشمل التعاون اللوجستي وتزويد الجيش بالأسلحة، وهي خطوة تعكس حرص الخرطوم على موازنة علاقاتها بين الشرق والغرب.

وتلفت مرعي إلى أن زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى الخرطوم قبل أشهر، بالتزامن مع وجود مبعوثين غربيين، عكست بوضوح حدة التنافس بين الكرملين وخصومه الغربيين داخل القارة الإفريقية، حتى أن وفدًا من خفر السواحل الأميركي زار بورتسودان لبحث أمن المرافق البحرية، في دلالة واضحة على أن الميناء بات محور اهتمام متصاعد من الطرفين.

وفي قراءتها لطبيعة هذا الصراع، تشير مرعي: "أن روسيا ماضية في تنفيذ التزاماتها بشأن القاعدة البحرية التي صدّق عليها الرئيس فلاديمير بوتين عام 2020، رغم أن الخرطوم جمدت الاتفاق مؤقتًا في 2021. فالعلاقات بين الجانبين، لم تتوقف، بل شهدت تفاعلات اقتصادية وأمنية متنامية، أبرزها اتفاقية التعدين الموقعة عام 2017 بين وزارة الثروة المعدنية السودانية وشركة M-Invest التابعة لمجموعة فاغنر".

وترى الخبيرة أن الدور الروسي في السودان لا يقتصر على الشق العسكري، بل يمتد إلى النفوذ الاقتصادي وحماية المصالح التجارية الروسية، عبر نشاط شركات فاغنر في مجالات التعدين والتدريب الأمني. هذه المعادلة كما تقول هي التي تثير قلق الولايات المتحدة، خاصة مع مؤشرات التقارب بين مجلس السيادة السوداني وموسكو، واحتمال حصول الأخيرة على قاعدة دائمة على البحر الأحمر.

وفي المقابل، تسعى واشنطن إلى تقويض النفوذ الروسي عبر أدوات إقليمية جديدة. وتوضح مرعي أن إثيوبيا دخلت على خط التنافس، في صفقة غير معلنة مع البيت الأبيض، تتضمن بحسبها دعم رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في قضية "أرض الصومال"، مقابل إرسال مقاتلين لدعم قوات الدعم السريع في مساعيها لإسقاط حكومة البرهان. وهي خطة، كما تصفها، تكشف عن محاولة أميركية لإعادة هندسة التوازنات في السودان بعدما فشلت الضغوط السياسية المباشرة.

وترى أستاذة العلوم السياسية:"أن العلاقات بين موسكو والخرطوم ما زالت أكثر استقرارًا من علاقات الأخيرة مع واشنطن، خاصة في ظل استمرار الحرب وتعقّد المشهد الداخلي". مضيفة :"إن البرهان يحاول الموازنة بين القوى الكبرى دون خسارة أي طرف، لكنه في الوقت نفسه بحاجة إلى روسيا لتحقيق توازن استراتيجي في مواجهة الضغوط الغربية".

وتختم الدكتورة نجلاء مرعي حديثها بالتأكيد على أن السودان اليوم أصبح رقعة مركزية في صراع النفوذ الدولي بين واشنطن وموسكو وبكين على السواء، وأن مستقبل الحرب الدائرة داخله سيحدد ملامح خريطة القوة في البحر الأحمر وشرق إفريقيا خلال السنوات المقبلة.

ويرى مراقبون أن ما يجري في بورتسودان يمثل فصلًا جديدًا من صراع النفوذ في إفريقيا، حيث يُعد فشل موسكو في تثبيت تموضعها في السودان ضربة لطموحها، وفرصة لواشنطن لتواجدها في بوابة التجارة والطاقة بين آسيا وأوروبا.