النهار
جريدة النهار المصرية

اقتصاد

جين جديد يبشر بمضاعفة إنتاج القمح ثلاث مرات.. وخبراء: خطوة بحثية تعيد حلم الاكتفاء الذاتي

شرين عبدالسيد -

أثار إعلان باحثين من جامعة ميريلاند الأمريكية عن اكتشاف جين جديد يمكنه مضاعفة إنتاج القمح ثلاث مرات، حالة من الجدل والاهتمام في الأوساط الزراعية والعلمية والاقتصادية حول العالم. ويُنظر إلى هذا الاكتشاف باعتباره إنجازا علميا قد يفتح الباب أمام ثورة إنتاجية غير مسبوقة في واحد من أهم المحاصيل الاستراتيجية عالميا، وهو القمح، الذي يمثل الغذاء الرئيسي لأكثر من نصف سكان الأرض.
ويرى خبراء الزراعة أن هذا التطور إذا ثبتت فاعليته وتم تطبيقه عمليا قد يحدث تحولا كبيرا في خريطة إنتاج الغذاء، ويساهم في دعم جهود الدول لتحقيق أمنها الغذائي، خاصة في ظل ما يشهده العالم من تحديات متزايدة تتعلق بندرة المياه وارتفاع تكاليف الزراعة وتأثيرات التغير المناخي.
وقال حسين عبدالرحمن أبوصدام، الخبير الزراعي والنقيب العام للفلاحين، إن هذا الاكتشاف العلمي المثير قد يمثل نقطة تحول في مسيرة إنتاج القمح عالميا، ويساهم في تحقيق الأمن الغذائي إذا ثبتت فاعليته وتطبيقه عمليا. وأوضح أن العلماء لاحظوا أثناء محاولاتهم المستمرة لزيادة إنتاج القمح نشاطا غير عادي لأحد الجينات في نوع معين من الأقماح، وعند تنشيطه في مرحلة مبكرة يبدأ النبات في تكوين عدة مبايض بدلا من مبيض واحد، ما يؤدي إلى زيادة عدد الحبوب في السنبلة إلى ثلاثة أضعاف، وهو ما يبشر بطفرة كبيرة في إنتاج القمح خلال السنوات المقبلة.
وأوضح في تصريحات خاصة للنهار أن نجاح هذا الجين الجديد، إذا ثبتت فاعليته وتم إنتاج بذور بهذه الكفاءة، قد يمكن مصر من تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح بل وفتح الباب أمام تصدير الفائض مستقبلا، مشيرا إلى أن مصر تنتج حاليا نحو 10 ملايين طن وتستهلك قرابة 20 مليون طن سنويا، بينما يمكن أن يرتفع الإنتاج إلى نحو 30 مليون طن باستخدام التقاوي الجديدة، وهو ما يعني بحسب تقديره مضاعفة دخل الفلاح المصري ثلاث مرات نتيجة زيادة إنتاجه.
وأشار نقيب الفلاحين إلى أن مصر تعد أكبر الدول العربية إنتاجا للقمح بنحو 10 ملايين طن سنويا، وتحتل المركز الرابع عالميا في معدل الإنتاج من وحدة المساحة، إلا أن زيادة عدد السكان وارتفاع معدلات الاستهلاك يجعلها من أكثر الدول استيرادا للقمح، مؤكدا أن ذلك يعزز من أهمية مواصلة الجهود لتطوير الإنتاج المحلي، لافتا إلى أن رفع إنتاجية القمح في مصر يتطلب من المزارعين الالتزام بالممارسات الزراعية السليمة، واستخدام الآلات الحديثة، والزراعة بالأصناف المعتمدة وفق الخريطة الصنفية لكل منطقة، إلى جانب الالتزام بمواعيد الزراعة المناسبة، مشددا على أن التبكير أو التأخير عن المواعيد المثالية يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية.
ومن جانبه، قال الدكتور علاء خليل، مدير معهد المحاصيل الحقلية الأسبق، إن الحديث عن الجين الأمريكي يمثل خطوة بحثية مهمة وجديدة، لكنه لا يزال في إطار التجارب المعملية ولم يصل بعد إلى مرحلة التطبيق الحقلي، موضحا أن استخدام تقنيات البيوتكنولوجي أصبح أمرا أساسيا لتسريع تطوير المحاصيل وزيادة إنتاجيتها، مشيرا إلى أن مصر أيضا تعمل على هذا الاتجاه منذ سنوات، ونجحت من خلال البحث العلمي في مضاعفة إنتاجية العديد من المحاصيل، بفضل جهود مركز البحوث الزراعية وأقسام بحوث القمح.
وأضاف خليل في تصريحات خاصة للنهار أن نجاح الجين في المعمل لا يعني بالضرورة نجاحه في الحقل، لأن ظروف البيئة الزراعية تختلف، موضحا أن بعض الأصناف التي تنجح في الخارج قد لا تحقق نفس النتائج في مصر والعكس صحيح، مؤكدا أن تكامل العوامل الوراثية والبيئية ضروري لنجاح أي تجربة إنتاجية. وأوضح أن تطوير صنف جديد من القمح يحتاج عادة نحو 12 عاما من العمل والتجريب حتى يتم اعتماده رسميا، لكن استخدام تقنيات البيوتكنولوجي والهندسة الوراثية اختصر كثيرا من هذا الوقت.
وأشار إلى أن مصر تمتلك برامج مستمرة لتطوير سلالات القمح، حيث تم تسجيل 17 صنفا حتى الآن، بينها 5 أصناف حديثة ضمن خطة لإحلال وتجديد الأصناف القديمة التي تفقد مقاومتها للأمراض مثل الصدأ الأصفر، لافتا إلى أن المعامل المصرية تطبق بالفعل تجارب للهندسة الوراثية والبايوتكنولوجي لمواجهة التحديات الناتجة عن ارتفاع الملوحة ونقص المياه والتغيرات المناخية، بهدف إنتاج أصناف تتحمل هذه الظروف وتحقق إنتاجا اقتصاديا مستقرا.
وأوضح خليل أن تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح يعتمد على ثلاثة محاور رئيسية هي التوسع الأفقي بزيادة المساحات المنزرعة، حيث ارتفعت الرقعة الزراعية خلال آخر 14 سنة بنحو 3 ملايين فدان نتيجة جهود الدولة في استصلاح الأراضي وزراعة المحاصيل الاستراتيجية، رغم أن كل فدان جديد يكلف نحو 300 ألف جنيه، إضافة إلى التوسع الرأسي عبر تطوير أصناف عالية الإنتاجية تتحمل الأمراض والتغيرات المناخية، وكذلك زيادة السعة التخزينية بإضافة صوامع جديدة وتطوير الشون للحفاظ على المحصول وتقليل الفاقد.
ولفت إلى أن مصر تنتج حاليا نحو 10 ملايين طن من القمح سنويا، بينما يبلغ الاستهلاك المحلي نحو 18 مليون طن، ما يعني وجود فجوة قدرها 8 ملايين طن، مؤكدا أن الجهود البحثية والتوسعية مستمرة لتقليص هذه الفجوة تدريجيا وتحقيق أكبر قدر من الاكتفاء الذاتي في هذا المحصول الاستراتيجي.