ترامب يُعيد تشكيل المشهد الفني الأمريكي.. هدم، إقالات، و«قاعة رقص» في البيت الأبيض!

في خطوة وُصفت بأنها زلزال في الأوساط الثقافية الأمريكية، أقال الرئيس دونالد ترامب جميع أعضاء اللجنة المستقلة للفنون الجميلة، وهي الجهة المسؤولة عن الإشراف على مشاريع التصميم والبناء الفيدرالية في العاصمة واشنطن، فاتحًا الباب أمام تنفيذ خططه المعمارية الطموحة — وفي مقدمتها مشروع قاعة رقص جديدة داخل البيت الأبيض.
تأتي هذه الخطوة ضمن سلسلة قرارات مثيرة اتخذها ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض في ولايته الثانية في 20 يناير، حيث وقّع أكثر من 150 أمرًا تنفيذيًا خلال الأشهر الأولى، من بينها 26 قرارًا في اليوم الأول فقط، أحدثت هزّة عميقة في عالم الثقافة والفنون.

هدم جناح البيت الأبيض لبناء "قاعة رقص رئاسية"
في 22 أكتوبر، بدأ البيت الأبيض أعمال هدم الجناح الشرقي التاريخي تمهيدًا لبناء قاعة رقص جديدة بتمويل خاص تبلغ تكلفتها نحو 200 مليون دولار.
المشروع الذي تبلغ مساحته 90 ألف قدم مربّع أثار انتقادات حادة من دعاة الحفاظ على التراث والمعماريين، الذين حذروا من أن الإضافة الضخمة قد تطغى على طابع المبنى الأصلي البالغ مساحته 55 ألف قدم مربع فقط.
وأصدر الصندوق الوطني للحفاظ على التراث التاريخي رسالة مفتوحة دعت إلى تجميد المشروع مؤقتًا لحين الانتهاء من مراجعات السلامة والتقييم التاريخي، مؤكدًا أن الهدم بدأ دون موافقة لجنة تخطيط العاصمة الوطنية أو المجلس الاستشاري للحفاظ على التراث، في مخالفة للإجراءات المتبعة.
لكن إدارة ترامب سارعت بالدفاع عن المشروع، إذ صرّح ويل شارف — رئيس لجنة التخطيط وسكرتير موظفي البيت الأبيض — بأن الإذن مطلوب فقط للبناء وليس للهدم، وأن الخطط النهائية للتجديد "قيد المراجعة".
أما الشركة المنفذة، ماكريري للهندسة المعمارية، وهي معروفة بتصميماتها الكلاسيكية للمباني الدينية، فقد أكدت أن القاعة ستكون أكبر تعديل على البيت الأبيض منذ إدارة ترومان، وستتسع لما بين 650 و999 ضيفًا، ما يجعلها — بحسب ترامب — "رمزًا جديدًا للفخامة الرئاسية الأمريكية".

إقالة لجنة الفنون الجميلة: إعادة كتابة قواعد الجمال
في 28 أكتوبر، وبعد أيام من الجدل حول مشروع القاعة، أقال ترامب الأعضاء الستة في لجنة الفنون الجميلة الذين تم تعيينهم في عهد بايدن، بعضهم كانت ولايته ممتدة حتى عام 2028.
وقال مسؤول في البيت الأبيض لصحيفة واشنطن بوست إن لجنة جديدة "أكثر انسجامًا مع رؤية الرئيس" ستُعلن قريبًا، لتشرف على المشاريع الجديدة، بما في ذلك قوس نصر ضخم مقترح بالقرب من نصب لنكولن التذكاري.
تاريخيًا، تأسست اللجنة عام 1910 لتكون حارسًا للجمال المعماري والذوق العام في العاصمة الفيدرالية، ومهمتها ضمان توازن المشاريع الحكومية مع الطابع التاريخي للمدينة.
لكن محللين يرون أن قرارات ترامب الأخيرة تمثل محاولة لتسييس الذوق الفني والمعماري، ضمن أجندته الواسعة لإعادة تعريف الهوية الثقافية الأمريكية وفق رؤيته الخاصة لما يسميه "العظمة الأمريكية".

ثقافة تحت التدقيق: من اليونسكو إلى سميثسونيان
لا تتوقف تداعيات هذه السياسات عند حدود العمارة، إذ شملت تغييرات عميقة في المؤسسات الثقافية الأمريكية الكبرى.
فقد واجه متحف سميثسونيان مراجعات حادة لمحتواه ومعارضه، وسط اتهامات بـ"الرقابة السياسية"، بينما تسبب انسحاب الولايات المتحدة من اليونسكو مجددًا في قلق عالمي بشأن حماية التراث الثقافي والإنساني.
وفي قلب هذه التحولات تقف وزارة كفاءة الحكومة (DOGE) التي أنشأها ترامب حديثًا بقيادة إيلون ماسك، والتي قامت بإعادة هيكلة مؤسسات ثقافية عدة مثل معهد خدمات المتاحف والمكتبات (IMLS)، عبر تخفيض ميزانياتها وفرض رقابة مباشرة على محتواها وبرامجها.
إعادة رسم ملامح الثقافة الأمريكية
يرى مراقبون أن هذه التحركات لا تمثل مجرد خلافات سياسية، بل هي إعادة صياغة شاملة للبنية التحتية للثقافة والفنون في الولايات المتحدة.
تقول مارلين جاكسون، رئيسة التحالف الأمريكي للمتاحف:
"لم نشهد لحظة مماثلة من قبل... ما يحدث ليس مجرد تغيير إداري، بل إعادة كتابة لمفهوم الثقافة الوطنية الأمريكية."
ومع تصاعد الجدل بين دعاة "الحداثة الليبرالية" وأنصار "الهوية الكلاسيكية"، يبدو أن عهد ترامب الثاني يفتح فصلًا جديدًا في الصراع حول من يملك الحق في تعريف الجمال... والفن... والذاكرة الأمريكية.

