جنوب يشتعل وشمال يختنق.. لبنان بين فكيّ واشنطن وتل أبيب

يعيش لبنان مرحلةً حرجة من تاريخه الحديث، وسط تصاعد التوتر على حدوده الجنوبية، وضغوط أميركية متزايدة لإعادة رسم المشهد الأمني والسياسي في البلاد، بينما يواصل الجيش الإسرائيلي عملياته المحدودة داخل الأراضي اللبنانية، في خرقٍ واضح لاتفاق وقف إطلاق النار.
الرئيس اللبناني يأمر بالتصدي لأي توغّل إسرائيلي
طلب الرئيس جوزيف عون،اليوم الخميس، من قائد الجيش رودولف هيكل التصدي بحزم لأي توغّل إسرائيلي في الجنوب، وذلك عقب عملية عسكرية إسرائيلية فجر اليوم في بلدة بليدا الحدودية، أسفرت عن مقتل موظف لبناني أثناء نومه داخل مبنى البلدية.
وفي بيانٍ رسمي، اعتبر عون أن هذا الاعتداء يُضاف إلى سلسلة من "الممارسات العدوانية الإسرائيلية"، مؤكداً أن لجنة مراقبة اتفاق وقف الأعمال العدائية مطالبة بالتحرك الجاد للضغط على إسرائيل، وليس الاكتفاء بتسجيل الانتهاكات.
اغتيالات متواصلة وضغوط أميركية متصاعدة
قال الكاتب والباحث السياسي جوزيف أبو فاضل في تصريحات له، إن لبنان يعيش مرحلة معقدة وصعبة، في ظل استمرار الضغوط الإسرائيلية والأميركية، وتزايد النفوذ الإيراني عبر دعم حزب الله.
وأشار أبو فاضل إلى أن إسرائيل لم تتوقف عن تنفيذ عمليات اغتيال تستهدف قيادات عسكرية لحزب الله منذ اتفاق 1701، وأن الجيش اللبناني لا يمارس دوره كما تتوقعه إسرائيل، مضيفاً أن واشنطن تضغط بقوة على بيروت لضبط الحدود ومنع أي تحركات مسلحة، وهو ما أكده المبعوثان الأميركيان توم براك ومورغان أورتاغوس خلال اجتماعات لجنة مراقبة وقف إطلاق النار في الناقورة.
الطريق إلى الاستقرار يمر عبر واشنطن وتل أبيب
يرى أبو فاضل أن: "الاستقرار الاقتصادي والسياسي في لبنان لن يتحقق إلا عبر مفاوضات مباشرة مع إسرائيل"، مضيفاً أن أي استثمارات أو تعافٍ اقتصادي "مشروط بتحقيق أمن إسرائيل وضمانات أميركية واضحة"، مشدداً على أن “المستثمرين الغربيين لن يأتوا إلى لبنان ما لم يتحقق سلام شامل”.
خيارات مستحيلة وحلّان لا ثالث لهما
وفي قراءته للمشهد الداخلي، أوضح أبو فاضل أن لبنان أمام خيارين أحلاهما مرّ:إما نزع سلاح حزب الله بالقوة والدخول في مواجهة داخلية، أو نزع السلاح بالحرب مع إسرائيل.
وأكد أن الحديث عن حلول وسط "غير واقعي"، مشيراً إلى أن الدولة اللبنانية تفتقر حتى الآن إلى الإرادة السياسية الحقيقية لاتخاذ قرار مصيري بهذا الحجم.
موجة غضب داخلية بعد مقتل موظف بلدية بليدا
حادثة مقتل الموظف إبراهيم سلامة داخل مبنى بلدية بليدا فجّرت موجة غضب واسعة، وسط إدانات رسمية وشعبية.
رئيس الحكومة نواف سلام وصف التوغل الإسرائيلي بأنه "اعتداء صارخ على مؤسسات الدولة وسيادتها"، مؤكداً أن استمرار هذه الخروقات يُعدّ استهتاراً بالاتفاقات الدولية.
وأظهرت مقاطع مصوّرة من موقع الحادث آثار إطلاق نار كثيف على جدران البلدية ومحتوياتها، فيما أعلنت وزارة الصحة اللبنانية استشهاد المواطن برصاص القوات الإسرائيلية خلال العملية التي استمرت ساعتين تقريباً داخل البلدة.
من جانبها، علّقت الجيش الإسرائيلي بأن العملية استهدفت "بنى تحتية لحزب الله"، دون الإشارة إلى مقتل سلامة، في وقت تتواصل فيه الغارات الإسرائيلية على مناطق الجنوب رغم اتفاق وقف النار الذي دخل حيّز التنفيذ أواخر نوفمبر الماضي.
مشهد غامض ومستقبل مقلق
بين تصعيدٍ ميداني في الجنوب، وضغوطٍ سياسية ودبلوماسية في الشمال، يقف لبنان أمام مفترق طرق خطير:
إما الانصياع للضغوط الدولية وإعادة هيكلة التوازنات الداخلية، أو الانزلاق نحو مواجهة جديدة قد تفتح فصول حرب لا يريدها أحد، لكنها تلوح في الأفق مع كل رصاصة تُطلق على الحدود.

