النهار
جريدة النهار المصرية

عربي ودولي

انقلاب المعرفة الكبرى.. إيلون ماسك يطلق غروكيبيديا في مواجهة ويكيبيديا

إيلون ماسك
هالة عبد الهادي -

في خطوة جديدة تؤكد طموحاته لتغيير قواعد الإنترنت، أعلن الملياردير الأميركي إيلون ماسك، عبر شركته المتخصصة في الذكاء الاصطناعي xAI، عن إطلاق موسوعته الجديدة "غروكيبيديا"، والتي وصفها بأنها البديل "الأكثر دقة وحرية من الانحياز" لموسوعة ويكيبيديا الشهيرة، التي يتهمها كثير من الجمهوريين في الولايات المتحدة بـ"التحيز الإيديولوجي لليسار".

منافس مباشر لأضخم موسوعة في العالم

النسخة التجريبية من "غروكيبيديا" انطلقت رسميًا مساء الإثنين، وتضم حتى الآن أكثر من 885 ألف تعريف ومقالة، مقارنةً بما يزيد على 7 ملايين مقالة باللغة الإنجليزية في موسوعة ويكيبيديا.
ورغم هذا الفارق الكبير في الحجم، يؤكد ماسك أن موسوعته الجديدة "ستتفوق قريبًا" على منافستها من حيث الدقة والمصداقية، قائلاً في رسالة نشرها عبر منصة "إكس":"هذه ليست سوى البداية. النسخة القادمة من غروكيبيديا ستكون أفضل بعشر مرات من النسخة الحالية، وهي بالفعل – في رأيي – أفضل من ويكيبيديا."

ذكاء اصطناعي يُعيد كتابة المعرفة

تعمل "غروكيبيديا" اعتمادًا على تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي من خلال مساعد ماسك الذكي Grok، المدمج داخل منصة "إكس". ووفقًا للشركة، فإن النظام يقوم بجمع المعلومات من مصادر متعددة، ثم يعيد صياغتها بأسلوب واضح مدعوم بالتحقق من المراجع.
بذلك، تسعى المنصة إلى خلق تجربة "ديناميكية تفاعلية" تختلف عن الشكل التقليدي للموسوعات، بحيث يتمكن المستخدم من طرح الأسئلة مباشرة والحصول على إجابات تحليلية بدلاً من قراءة صفحات ثابتة.

تأجيل الإطلاق لأسباب تتعلق بـ"الشفافية"

وكان ماسك قد أعلن في وقت سابق تأجيل إطلاق المشروع، الذي كان من المفترض أن يرى النور نهاية سبتمبر الماضي، موضحًا أن السبب هو الحاجة إلى مزيد من العمل لإزالة محتويات الدعاية وضمان أن تكون الموسوعة الجديدة خالية من التحيزات السياسية أو التجارية.

صراع قديم بين ماسك وويكيبيديا

تأتي هذه الخطوة في ظل خلاف طويل بين ماسك ومؤسسي ويكيبيديا. ففي عام 2024، وصف ماسك المنصة بأنها "خاضعة لسيطرة ناشطين من اليسار المتطرف"، ودعا مستخدمي الإنترنت إلى التوقف عن التبرع لها.
ورأى في حينها أن "المعرفة المفتوحة" فقدت معناها حين تصبح خاضعة لتوجهات أيديولوجية معينة، مؤكدًا أن هدفه من "غروكيبيديا" هو إعادة الحياد والشفافية إلى الفضاء المعرفي الرقمي.

رد فعل ويكيبيديا: الحياد قيد الدفاع

من جانبها، تؤكد مؤسسة ويكيميديا، المشغّلة لويكيبيديا، أنها تلتزم بمبدأ "الحياد في كل محتواها"، وأن آلاف المتطوعين حول العالم يعملون وفق سياسات صارمة للمراجعة والتدقيق المستقل.
ويقول القائمون على الموسوعة إن الحياد لا يعني "إرضاء كل الأطراف"، بل تقديم المحتوى القائم على المصادر الموثوقة، معتبرين أن هجوم ماسك يأتي ضمن حملة أوسع من اليمين الأميركي ضد وسائل الإعلام التقليدية والمنصات المفتوحة التي لا تتماشى مع رؤيته السياسية.

ما وراء المنافسة.. معركة السيطرة على المعرفة

يرى خبراء الإعلام الرقمي أن إطلاق "غروكيبيديا" لا يُعد مجرد مشروع تقني، بل هو جزء من معركة أكبر للسيطرة على المعلومات والرواية العامة في عصر الذكاء الاصطناعي.
ويقول المحلل الأميركي إدوارد مورغان، المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن ماسك يحاول أن يضع بصمته في كل مجال يمتد إليه تأثير الإنترنت، مضيفًا:"بعد أن سيطر على منصة إكس وحولها إلى فضاء أكثر انفتاحًا للخطاب السياسي، يسعى الآن إلى إعادة تشكيل مفهوم الموسوعات الرقمية لتكون أكثر توافقًا مع أفكاره حول حرية التعبير وعدم الرقابة."

ثورة معرفية أم دعاية رقمية؟

بين مؤيد يرى في المشروع ثورة معرفية حقيقية تدمج الذكاء الاصطناعي بالمحتوى الموسوعي، ومعارض يخشى من أن تتحول المنصة إلى أداة دعائية رقمية بوجه جديد، تبقى "غروكيبيديا" تجربة مثيرة تفتح فصلاً جديدًا في تاريخ الإنترنت.

انعكاسات المشروع على مستقبل الذكاء الاصطناعي والمحتوى المفتوح

يرى خبراء التكنولوجيا أن مشروع "غروكيبيديا" يمثل تحولًا استراتيجيًا في علاقة الذكاء الاصطناعي بالمعرفة البشرية، إذ يضع لأول مرة خوارزميات الذكاء الاصطناعي في موقع "المؤلف والمحرر" في آنٍ واحد، وليس مجرد أداة مساعدة لجمع البيانات.
ويحذر باحثون من أن هذا الاتجاه قد يعيد تشكيل الطريقة التي يُبنى بها الوعي الجمعي والمعرفة العامة على الإنترنت، في ظل غياب آليات رقابة واضحة على مدى دقة المحتوى الذي تنتجه النماذج التوليدية.

في المقابل، يرى مؤيدو المشروع أن دخول إيلون ماسك إلى هذا المجال سيساهم في تسريع الثورة المعرفية، وفتح الباب أمام منصات جديدة تعيد التفكير في مفهوم "الموسوعة المفتوحة"، بحيث لا تعتمد فقط على المتطوعين بل على تقنيات تعلم الآلة التي تُحدث نفسها ذاتيًا وتتعلم من تصحيح أخطائها بمرور الوقت.

ويؤكد المحلل التقني ديفيد كابلان أن: "ما يقوم به ماسك ليس مجرد منافسة لويكيبيديا، بل تجربة فلسفية حول من يمتلك الحقيقة في عصر الذكاء الاصطناعي"، مشيرًا إلى أن هذا الصراع بين الإنسان والآلة على تحديد المعلومة قد يحدد شكل الإنترنت في العقد القادم، بين نموذج حرّ تقوده الخوارزميات، وآخر إنساني تشاركي تديره المجتمعات المفتوحة.

وبين طموح الابتكار ومخاوف التلاعب بالمعلومة، تبدو "غروكيبيديا" أكثر من مجرد موسوعة رقمية؛ إنها اختبار حقيقي لمستقبل الثقة في المعرفة في عصر الذكاء الاصطناعي.