في ذكرى رحيل طه حسين.. من ظلمة البصر إلى بصيرة الفكر

تحل اليوم الذكرى التاسعة والأربعون لرحيل عميد الأدب العربي طه حسين، الرجل الذي وُلد في الظلام لكنه اختار أن يعيش بالنور، فصار رمزًا للعقل المستنير في زمنٍ كان الظلام الفكري يلف كثيرًا من العقول.
وُلِد طه حسين في 15 نوفمبر عام 1889 بقرية الكيلو بمحافظة المنيا، وفقد بصره في سنواته الأولى، غير أن فقدان الضوء لم يمنعه من أن يرى أبعد مما يراه المبصرون، بدأ رحلته بحفظ القرآن الكريم، ثم واصل دراسته في الأزهر قبل أن يلتحق بالجامعة المصرية، ومنها إلى جامعة السوربون في فرنسا، ليحصل على الدكتوراه ويصبح أحد أبرز أعلام الفكر العربي الحديث.
تميز طه حسين بجرأته الفكرية واستقلاله العقلي، فكتب في قضايا التعليم والدين والمجتمع، مؤمنًا بأن الحرية الفكرية هي السبيل الوحيد لتقدّم الأمم، ومن بين مؤلفاته الخالدة: الأيام، دعاء الكروان، على هامش السيرة، شجرة البؤس، وأحلام شهرزاد، وهي أعمال لم تكتفِ بالحبر على الورق، بل تحولت إلى أفلام ومسلسلات تركت بصمة فنية وإنسانية لا تُمحى.
فيلم "دعاء الكروان" كان صرخة ضد التقاليد التي تُكبّل المرأة، بينما جسّد مسلسل "الأيام" قصة كفاحه المُلهمة التي ما زالت تُدرّس للأجيال، ومع كل عمل مأخوذ عن كلماته، يتجدد حضوره، كأن صوته ما زال يقول لنا: "العقل هو النور الذي لا يُطفأ."
في ذكرى رحيله التاسعة والأربعين، يبقى طه حسين شاهدًا على أن البصر قد يُطفأ، لكن البصيرة لا تموت، إرثه لم يكن مجرد كتب، بل كان دعوة مفتوحة لأن نُفكّر، ونُجادل، ونؤمن بأن من يعيش بفكره، لا يرحل أبدًا.

