صحفية إسرائيلية تسلط الضوء على أسباب تمسك مصر بتثبيت وقف إطلاق النار في غزة

كشف الدكتور محمد وازن، خبير الشئون الإسرائيلية والدراسات الاستراتيجية، عن تفاصيل تقرير مهم نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية والذي يتحدث عن أسباب إصرار مصر والرئيس السيسي على استمرار وقف إطلاق النار في قطاع غزة والانتقال للمرحلة الثانية من التفاوض، موضحاً أن الصحيفة الإسرائيلية قدّمت مصر بوصفها الطرف الوحيد الذي لا يريد للحرب أن تُستأنف، بل يسعى لتثبيت الاتفاق بأي ثمن.
وقال «وازن» في ترجمته للتقرير، إن الصحفية برزت مصلحة القاهرة المباشرة والعميقة في بقاء الهدوء داخل غزة، فوفقًا للتقرير، تحاول مصر تثبيت مركزها في الواجهة السياسية من خلال إرسال فريق مصري خاص إلى القطاع، رغم أنه لم يكن مطلوبًا حسب الاتفاق، اعتبرته «يديعوت» خطوة رمزية لتأكيد أن القاهرة لا تزال صاحبة الكلمة المركزية في الملف الفلسطيني.
أشارت الصحيفة بحسب «وازن»، إلى أن الرئيس السيسي يسعى لأن تُذكر «شرم الشيخ» بوصفها المدينة التي أُعلن فيها وقف النار، مثلما كانت كامب ديفيد رمزًا للسلام، كما برزت في تقريرها خشية القاهرة من انهيار الاتفاق لأنه يعني فوضى على حدودها، فعودة القتال أو انزلاق غزة للفوضى سيعني مزيدًا من التهريب، وتدفق موجات بشرية نحو سيناء، وهو كابوس أمني لا يمكن لمصر تحمله، لذلك، تصر القاهرة على وجود قوة دولية مؤقتة في القطاع بعد الحرب — لكن بشروطها، بحيث تكون مؤقتة ولا تمس السيادة الفلسطينية أو المصرية.
وفق تحليل «وازن»، الصحيفة خصّت بندًا كاملًا للخسائر الاقتصادية المصرية، مشيرة إلى أن تراجع عائدات قناة السويس بسبب الحرب كلّف القاهرة أكثر من تسعة مليارات دولار سنويًا، كما اعتبرت أن استقرار الأوضاع في غزة يعني بالضرورة عودة الحركة التجارية عبر البحر الأحمر وقناة السويس، أي عودة مصدر الدخل القومي الأهم.
وفي الوقت نفسه، تطرقت «يديعوت» إلى أن القاهرة تعمل على تحويل الأزمة إلى فرصة عبر مؤتمر إعادة إعمار غزة الذي دعا إليه الرئيس السيسي، وتريد من خلاله أن تكون هي مركز إدارة أموال الإعمار والمساعدات الدولية، وبحسب التقرير، مصر لا تريد أن تُرى كدولة سمحت بتهجير الفلسطينيين أو تغاضت عن معاناتهم، ون هنا جاء إصرارها على إبقاء معبر رفح مفتوحًا، واستقبال الجرحى والمصابين، والدعوة العلنية لرفض أي “حل” يشمل اقتلاع سكان غزة.
ربطت الصحيفة نفسها بين هذا الموقف الإنساني ومكانة القاهرة في العالم العربي، معتبرة أن مصر تستثمر في الشرعية الأخلاقية لدورها، لا في المكاسب العسكرية، وترى أن مصر تتحرك على مسارين متوازيين: من جهة، تعمل على منع الانهيار الآني للهدنة، ومن جهة أخرى تجهّز نفسها لتكون صاحبة التأثير الأكبر في إدارة ما بعد الحرب.
وذكرت أن القاهرة ترعى الحوار بين الفصائل الفلسطينية وتسعى لتشكيل تفاهم فلسطيني داخلي يتماشى مع خطة ترامب ذات البنود الـ20، بما يضمن لمصر دورًا قياديًا في أي ترتيبات سياسية أو أمنية مستقبلية في القطاع.
وقال الدكتور محمد وازن، إن تقرير يديعوت أحرونوت لم يكن مجرد متابعة إخبارية؛ بل ورقة تقييم سياسية من داخل المؤسسة الإسرائيلية وهو يعترف صراحة بأن مصر تريد وقف الحرب لأنها المتضرر الأكبر منها اقتصاديًا وأمنيًا وتريد أن تظل صاحبة المفاتيح في الملف الفلسطيني وتعمل على تحويل خسائر الحرب إلى مكاسب سياسية عبر رعاية إعادة الإعمار وقيادة مرحلة ما بعد الحرب.
وأضاف: «بعبارة أوضح من وجهة نظر يديعوت القاهرة اليوم تمسك بخيوط ثلاثة ملفات في آن واحد — الوساطة، والإعمار، والتوازن الإقليمي — وهو ما يجعلها الطرف الوحيد القادر فعليًا على منع عودة النار في ا
لمنطقة».

