النهار
جريدة النهار المصرية

عربي ودولي

سقوط آخر معاقل الجيش في دارفور.. قوات الدعم السريع تسيطر على الفاشر وتغيّر خريطة الحرب في السودان

 آخر معاقل الجيش بإقليم دارفور
هالة عبد الهادي -

أعلنت قوات الدعم السريع،اليوم الأحد، سيطرتها الكاملة على مقر الفرقة السادسة مشاة، آخر معاقل الجيش السوداني في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في خطوة اعتبرها مراقبون تحولًا استراتيجيًا كبيرًا في مسار الحرب الدائرة منذ أكثر من عام ونصف. وتعد الفاشر من أكثر المدن رمزية وأهمية في إقليم دارفور، إذ كانت بمثابة خط الدفاع الأخير للجيش غرب السودان.

وقالت قوات الدعم السريع في بيان رسمي إنها ستعمل بالتنسيق مع ما يُعرف بـ"حكومة تحالف تأسيس" على توفير الحماية الكاملة للمدنيين، وتسهيل عودة النازحين إلى منازلهم، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين. وأضاف البيان أن السيطرة على المدينة تمّت بعد معارك عنيفة استمرت لأسابيع، انتهت بانسحاب آخر القوات الحكومية من مقراتها العسكرية.

حتى لحظة نشر الخبر، لم يصدر عن الجيش السوداني أي بيان رسمي يؤكد أو ينفي سقوط الفاشر، في حين تشير مصادر ميدانية إلى أن بعض الوحدات التابعة له انسحبت باتجاه شمال كردفان، بينما بقيت جيوب محدودة تقاوم داخل المدينة. وتزامن ذلك مع تصاعد القصف المدفعي والجوي في محيط الفاشر، ما زاد من حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها السكان منذ أشهر.

منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، كانت الفاشر محورًا رئيسيًا للقتال في غرب البلاد. فقد فرضت قوات الدعم السريع حصارًا مطبقًا على المدينة لأكثر من ثمانية عشر شهرًا، ما أدى إلى تدهور الوضع الإنساني إلى مستويات غير مسبوقة، حيث انقطعت الإمدادات الغذائية والطبية وانهارت شبكات الكهرباء والمياه.

ويرى مراقبون أن السيطرة على الفاشر تمثل نقطة تحول كبرى في الحرب، إذ تعني عمليًا سيطرة الدعم السريع على كامل إقليم دارفور، الذي يمتد على نحو ربع مساحة السودان ويشكل عمقه الغربي الاستراتيجي. فدارفور، بمساحتها البالغة نحو 493 ألف كيلومتر مربع وسكانها الذين يشكلون 17 بالمئة من إجمالي سكان السودان البالغ عددهم 48 مليون نسمة، تُعد منطقة حيوية تربط البلاد بأربع دول مجاورة هي ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان. ولذلك، فإن سقوط الفاشر يفتح الطريق أمام الدعم السريع لتوسيع نفوذه باتجاه كردفان وربما وسط البلاد.

وتحذر منظمات إنسانية من أن السيطرة الجديدة قد تزيد من معاناة المدنيين في ظل انعدام الأمن واستمرار القتال في أطراف المدينة. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن نحو 700 ألف مدني نزحوا من الفاشر منذ بداية الحرب، فيما يواجه من تبقى داخلها خطر الجوع والأوبئة ونقص الأدوية. وقد دفعت الأمم المتحدة ومجلس الأمن خلال الأشهر الماضية باتجاه وقف إطلاق نار دائم في دارفور، غير أن جهود الوساطة لم تحقق أي اختراق حتى الآن.

ويقول محللون إن سقوط الفاشر يمثل ضربة قاسية للجيش السوداني، ليس فقط من الناحية العسكرية، بل أيضًا الرمزية والسياسية، إذ فقد أحد أهم مراكزه في الغرب. كما أن هذا الانتصار يمنح قوات الدعم السريع ورقة ضغط قوية في أي مفاوضات سلام مقبلة، ويضعها في موقع متقدم داخل المشهد السياسي السوداني. في المقابل، يرى البعض أن السيطرة الكاملة على دارفور قد تُدخل الدعم السريع في اختبار جديد يتعلق بقدرته على إدارة المناطق الخاضعة له وضبط الانفلات الأمني الذي يهدد المدنيين.

وبينما يلتزم الجيش الصمت، تترقب الأوساط السودانية والدولية ما إذا كانت هذه السيطرة ستكرّس واقع الانقسام الدائم في البلاد، أم ستفتح بابًا لمفاوضات جديدة تعيد رسم ملامح السودان الموحد الذي يعيش أكبر أزمة في تاريخه الحديث.