النهار
جريدة النهار المصرية

عربي ودولي

خامنئي يرد بعنف على ترامب: “صناعتنا النووية لم تُدمر.. أنتم من يعيش في الوهم”

خامنئي وترامب
هالة عبد الهادي -

في تصعيد جديد يعكس احتدام المواجهة الكلامية بين واشنطن وطهران، ردّ المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي بلهجة حادة على تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي زعم فيها أن الضربات الجوية الأميركية دمّرت الصناعة النووية الإيرانية بالكامل.

خامنئي كتب على منصة “إكس” منشورًا مقتضبًا لكنه حاد النبرة قال فيه:"الرئيس الأميركي يفاخر بأنه دمّر الصناعة النووية الإيرانية… استمروا في أحلامكم".

وأضاف المرشد الإيراني :"ما يسميه ترامب صفقة مع إيران ليس سوى إملاءات تحت التهديد والابتزاز، والشعب الإيراني لن يركع أمام لغة القوة"، مؤكدًا أن بلاده ليست كبعض الدول التي يمكن إخضاعها بالضغوط أو الإغراءات.

صواريخ إيرانية ورسائل ردع

وتطرق خامنئي إلى القدرات الصاروخية الإيرانية، مشيرًا إلى أن "الإسرائيليين لم يتوقعوا أن صاروخًا صنعه شبابنا يمكن أن يحوّل مراكزهم الحساسة إلى رماد، لكن هذا حدث بالفعل"، في إشارة واضحة إلى الضربة الإيرانية الأخيرة التي استهدفت منشآت بحثية إسرائيلية خلال جولة التصعيد في الصيف الماضي.

وأوضح أن تلك الصواريخ إنتاج محلي بالكامل، ولم تُشترَ أو تُستأجر، مضيفًا أن "القوات المسلحة الإيرانية جاهزة لاستخدامها مجددًا إذا دعت الحاجة".

وفي لهجة لا تخلو من السخرية، قال خامنئي إن "الكلام الفارغ والسلوك السخيف للرئيس الأميركي مجرد محاولة لرفع معنويات الصهاينة الذين فقدوا روحهم بعد الهزائم الأخيرة".

ترامب: "نفذنا واحدة من أجمل العمليات العسكرية في التاريخ"

تصريحات خامنئي جاءت ردًا على مقابلة تلفزيونية للرئيس ترامب مع شبكة "فوكس نيوز"، قال فيها إن "الطائرات الأميركية من طراز "بي-2" نفّذت غارات استهدفت المنشآت النووية الإيرانية من دون أن تُكتشف أو تُصاب"، واصفًا العملية بأنها واحدة من أجمل الإنجازات العسكرية في التاريخ الحديث.

وأضاف ترامب أن "تدمير البرنامج النووي الإيراني كان خطوة أساسية في الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة"، مشيرًا إلى تعاون وثيق مع إسرائيل خلال تنفيذ تلك العمليات.

حقائق متضاربة وتقييمات غربية متحفظة

ورغم التصريحات الأميركية المثيرة، تشير تقارير استخباراتية غربية إلى أن الضربات الجوية لم تؤدِّ إلى تدمير البنية النووية الإيرانية كما أعلن ترامب، بل أدت فقط إلى تأخير محدود في بعض المشاريع داخل منشآت فوردو ونطنز وأصفهان.

وبحسب خبراء، فإن إيران تمكنت خلال الأشهر الأخيرة من استعادة جزء من قدرتها التقنية بفضل دعم من علماء محليين وشبكات هندسية داخلية، ما يعني أن برنامجها النووي تعرّض لضربة مؤقتة وليس شللاً دائماً.

خلفية الصراع: حرب ظل لا تهدأ

منذ الهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل في يونيو الماضي، تحولت المواجهة بين الطرفين إلى ما يشبه حرب ظل متواصلة تشمل عمليات سيبرانية، وهجمات بطائرات مسيّرة، وضربات محدودة، فيما تتجنب واشنطن وطهران الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة مباشرة.

تحليلات الخبراء: ضربة لم تُنهِ الخطر

يرى عدد من الخبراء في الشؤون الدفاعية والأمنية أن الضربات الجوية الأميركية الأخيرة ضد المنشآت النووية الإيرانية قد وجهت بالفعل ضربة موجعة لطهران، لكنها لم تُنهِ الخطر بشكل كامل.
فقد أوضح ماثيو كرونيج، نائب رئيس المجلس الأطلسي ومدير الدراسات في تحليل له، أن "العملية العسكرية الأميركية كانت ضرورية لكنها محفوفة بالمخاطر"، مشيرًا إلى أن "كل رئيس أميركي منذ جورج بوش يدرك أن السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي أمر غير وارد".
ويضيف كرونيج "السؤال الحقيقي اليوم ليس عمّا إذا كانت إيران تضررت، بل عمّا إذا كان هذا الضرر دائمًا. وحتى الآن، لا يوجد ما يؤكد أن الخطر قد زال تمامًا".

من جانبه، أكد جوناثان بانيكوف، مدير مبادرة أمن الشرق الأوسط بالمجلس نفسه، أن "الضربات الأميركية أضعفت القدرات العسكرية الإيرانية لكنها لم تصل إلى حد الشلل".
وقال بانيكوف إن "إيران أثبتت في أكثر من مناسبة قدرتها على امتصاص الضربات ثم إعادة ترتيب أوراقها بسرعة"، مضيفًا :"الخطر الأكبر يكمن في أن تلجأ طهران إلى التصعيد عبر وكلائها في المنطقة إذا شعرت أن نظامها بات مهددًا وجوديًا".

أما مديرة المجلس الأطلسي في تركيا دِفني أرسلان، فلفتت إلى أن "تقييم نتائج الضربات لا يزال سابقًا لأوانه"، مؤكدة أن "إيران تمتلك قاعدة تكنولوجية وخبرة هندسية متراكمة تمكّنها من إعادة بناء جزء كبير من بنيتها النووية خلال فترة وجيزة".
وأضافت أن "الضربة الأميركية قد تكون كبحت البرنامج مؤقتًا، لكنها لم تُلغِ القدرة أو الطموح الإيراني على المدى الطويل".

ردود الفعل الدولية والإقليمية: قلق وتباين في المواقف

على الصعيد الدولي، تباينت ردود الفعل تجاه التصعيد الأخير بين واشنطن وطهران.فقد دعا الاتحاد الأوروبي في بيان رسمي إلى “ضبط النفس”، مطالبًا الطرفين بالعودة إلى طاولة المفاوضات، محذرًا من أن “الحلول العسكرية لا يمكن أن تحقق أمنًا دائمًا في الشرق الأوسط”.

أما روسيا والصين، فوصفتا الهجمات الأميركية بأنها "انتهاك واضح للقانون الدولي"، داعيتين واشنطن إلى احترام سيادة إيران. وأكدت موسكو وبكين في بيان مشترك دعمهما لحق إيران في “الاستخدام السلمي للطاقة النووية” وفقًا للاتفاقيات الدولية.

وفي المقابل، جاءت إسرائيل في مقدمة المرحّبين بالعملية، حيث اعتبرتها "رسالة قوية إلى النظام الإيراني"، مؤكدة أن "التهديد النووي لم يُمح بعد، وأن إيران لا تزال تمثل خطرًا استراتيجيًا على استقرار المنطقة".

أما على المستوى الإقليمي، فقد تابعت دول الخليج التطورات بقلق بالغ. ويرى عدد من المراقبين أن أي تصعيد عسكري جديد بين واشنطن وطهران قد ينعكس مباشرة على أمن الملاحة في الخليج ومضيق هرمز، ما قد يؤدي إلى اضطرابات في أسواق الطاقة العالمية وارتفاع حاد في أسعار النفط. وفي الوقت ذاته، أشار دبلوماسي خليجي فضّل عدم ذكر اسمه إلى أن "المنطقة لا تحتمل حربًا جديدة، وأي خطأ في الحسابات قد يشعل مواجهة مفتوحة لا يمكن التنبؤ بنتائجها".

ويرى مراقبون أن لغة خامنئي التصعيدية هذه المرة تحمل رسائل مزدوجة: أولها للداخل الإيراني لطمأنة الشارع بعد الضربات الأميركية، وثانيها للخارج لإبلاغ واشنطن وتل أبيب بأن "القدرة الإيرانية لم تتأثر وأن الرد سيكون جاهزًا في أي لحظة".

الاشتباك اللفظي بين خامنئي وترامب لا يعكس مجرد معركة تصريحات، بل يمثل جولة جديدة في الحرب النفسية والإعلامية بين واشنطن وطهران، حرب تتداخل فيها التكنولوجيا بالصواريخ، والردع بالرمزية، في صراع يبدو أنه لن يهدأ قريبًا.