الفداء من أجل الوطن وتخليد أسمه في سطور التاريخ.. قصة تسمية نفق الشهيد أحمد حمدي

في الرابع عشر من أكتوبر، يوم من أيام العبور الخالدة، استشهد العميد أحمد حمدي، أحد أبرز أبطال سلاح المهندسين، أثناء مشاركته في تركيب الكباري على الجبهة.
كان يومًا اختلطت فيه البطولة بالفقد، والمجد بالألم، يوم كتب فيه هذا القائد اسمه بحروف من نور في سجل الشرف العسكري المصري.
رسالة البطولة التي بدأت من القيادة إلى الجبهة
أحمد حمدي لم يكن في موقع الجبهة مصادفة، بل بإصرار منه. فمع تأخر عملية تدمير الساتر الترابي، طلب من الرئيس محمد أنور السادات تصريحًا خاصًا للانضمام إلى رجاله في الميدان.
يقول السادات في مذكراته: "طلب مني أن يذهب للجبهة بنفسه وقال: (تأخرنا في تدمير الساتر، وأنا لازم أكون مع رجالي، وهنركب الكباري في أقل من ست ساعات)."
وبعد موافقة الرئيس، انتقل القائد إلى الجبهة ليقود بنفسه واحدة من أعقد عمليات الحرب، مقدمًا نموذجًا نادرًا في القيادة بالقدوة، لا بالأوامر.
لحظات ما قبل الاستشهاد
يوم 14 أكتوبر 1973، شهدت الجبهة أعنف غارات الطيران الإسرائيلي، بعد وصول الدعم الأمريكي إلى إسرائيل عبر الجسر الجوي. كان سلاح المهندسين يعمل تحت القصف لتركيب الكباري التي تربط شرق القناة بغربها، وأثناء عمله لاحظ أحمد حمدي أن قطعة من الكوبري انفصلت بفعل التيار وتهدد بإفساد كل ما أُنجز.
لم يتردد، فصعد إلى لنش سحب بمفرده لمحاولة إبعاد القطعة، رغم أن الجميع كان يعلم أن هذه اللنشات تُعد من أخطر المواقع في ساحة القتال. وفي لحظة بطولية، أصابته شظية قاتلة، فاستشهد في الحال وسط جنوده، كما تمنى دائمًا.
وصيته كانت واضحة قبل نصف ساعة فقط من رحيله: "ادفنوني هنا وسط رجالي، ما ترجّعونيش لمدافن العيلة." وهكذا دُفن حيث قاتل، في المكان نفسه الذي شهد بطولته الأخيرة.
البطولة التي تتجاوز الرتبة
رغم أن الحرب انتهت رسميًا في اليوم ذاته بقرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، فإنها تركت جرحًا عميقًا في قلوب أسر الأبطال. تروي أسرته أن خبر استشهاده وصل بعد 11 يومًا، أول أيام عيد الأضحى، وأن الرئيس السادات أوصى بعدم الإعلان عنه فورًا حتى لا يتأثر الجنود على الجبهة، نظرًا لشعبيته الكبيرة ومكانته بين زملائه.
أحد زملائه قال عنه: "يوم ما شوفنا عربيته وصلت، ونزل منها بضحكته المعهودة، كل واحد فينا اشتغل بمية رجل. كنا عارفين إنه هيكون وسطنا، مش في الخندق."
تخليد الاسم والرمز
بعد الحرب، حصل الشهيد أحمد حمدي على نجمة سيناء من الطبقة الأولى، أرفع وسام عسكري في مصر، والذي يُمنح "للأعمال البطولية الخارقة التي تدل على البسالة النادرة والتفاني في الفداء".
كما قرر الرئيس السادات أن تحمل أول دفعة تخرج من الكلية الحربية بعد الحرب اسمه، لتكون دفعة أحمد حمدي (رقم 68 حربية)، وهو أمر غير مسبوق لأحد أبطال سلاح المهندسين.
وفي تخليد جديد، أُطلق اسمه على نفق أحمد حمدي الرابط بين سيناء والوادي، دون أي لقب أو رتبة، وقال السادات وقتها: "أحمد حمدي أكبر من أي رتبة أو لقب، وعلشان كده سميت النفق باسمه فقط."
وبعد عقود، واصل الرئيس عبد الفتاح السيسي هذا التكريم بإطلاق اسم نفق أحمد حمدي 2 عليه، ليظل اسمه علامة مضيئة في طريق العبور والتنمية.
إرث خالد لا يُمحى
لم يكن أحمد حمدي مجرد ضابط في سلاح المهندسين، بل رمزًا للقيادة المسؤولة التي تُضحي قبل أن تطلب من الآخرين التضحية. بدأ مشواره بعد تخرجه في كلية الهندسة – جامعة القاهرة، ثم التحق بالقوات الجوية الملكية، وتدرج حتى حصل على شهادة القادة من أكاديمية "فرونز" في الاتحاد السوفييتي، كأول مهندس مصري يحصل عليها في ذلك الوقت.
واليوم، بعد مرور أكثر من نصف قرن على استشهاده، لا تزال ذكراه حية في وجدان الوطن، رمزًا لجيل قاتل بشرف، وعبر بالقلب قبل الجسد، ليكتب لمصر فجرًا جديدًا من الحرية والسلام.