أسامة شرشر يكتب: مصر الكبيرة فى قمة شرم الشيخ

لقد نجحت مصر فى جمع العالم فى قمة السلام بشرم الشيخ، وحضر ضيوف مصر من كل القارات بداية من أمريكا مرورًا بأوروبا وشرق آسيا وحتى الدول العربية والإسلامية.
وكنت أتمنى فى ظل هذا الزخم وهذه اللحظات النادرة من تاريخ منطقة الشرق الأوسط أن تقبل إيران الدعوة وتكون حاضرة فى هذا اللقاء الاستثنائى الذى قلما يحدث لتأسيس ما يسمى بالشرق الأوسط الحقيقى على الطريقة المصرية والعربية والإسلامية.
لقد انتهت مرحلة وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والأسرى، وبدأت المواجهات الحقيقية في تفاصيل مبادرة السلام التى طرحها الرئيس ترامب، الذى اعترف أمام العالم كله بالدور المصرى والقطرى والتركى.
تأكد الجميع اليوم أن مصر ستظل وستبقى قبلة العرب والمسلمين فى إرساء السلام، وأن المفاوض المصرى من أذكى وأمهر المفاوضين على مستوى العالم، وأنه كان يفاوض الشيطان الإسرائيلى واستطاع أن يحتويه ويحل كل الألغاز ويتجاوز كل الثغرات التى وضعها الاحتلال، فالمفاوض المصرى امتلك أدوات التحليل والتقييم والاحتواء وتجهيز السيناريوهات البديلة، وأعتقد أن رجال المخابرات المصرية أداروا هذه المفاوضات بحنكة وخبرة اعترف بها الأعداء قبل الأصدقاء، وعلى رأسهم ويتكوف مبعوث ترامب.
هذا الأفق الجديد بزغ فى سماء شرم الشيخ بعد انسداد الأفق السياسى على مدار سنوات وسنوات، وأعتقد أن ترجمة الانفراجة فى الأفق السياسى تعنى أن تطبق قرارات الشرعية الدولية واحترام القوانين والمواثيق الدولية وحل الدولتين كما قررته الأمم المتحدة؛ لأن عدم تنفيذ هذا يجعل منطقة الشرق الأوسط ملتهبة وساخنة.
والذى لفت نظرى أن ترامب، رئيس مجلس السلام العالمى، لم يشر لا من قريب ولا من بعيد سواء فى الكنيست الإسرائيلى أو فى شرم الشيخ إلى السلطة الفلسطينية ودورها فى المرحلة القادمة، وهذا ما يجعلنا نحذر من الإسراف فى التفاؤل.
إن مصر قد نجحت وأكدت المؤكد منذ 7 أكتوبر 2023 أنه لا تهجير لأهل غزة ولا تصفية للقضية الفلسطينية وكانت هى الدولة الوحيدة فى المنطقة بل فى العالم التى دعت إلى مؤتمر لإعمار غزة فى شرم الشيخ أيضًا.
فالتعافى والإعمار ورفع الركام وإعادة بناء البنية التحتية كانت أهدافًا إستراتيجية ومحورية لمصر؛ لأن القضية ليست إعادة الإعمار فقط ولكن الأهم الاهتمام بالإنسان الفلسطينى.
وأعتقد أن الشعب الفلسطينى تعرض لمظلمة تاريخية لم نشاهدها فى تاريخ العالم، فهى فاقت كل المحارق والحروب العالمية، فيجب أن نرفع القبعة للشعب الفلسطينى فى غزة والضفة الغربية والقدس الشريف بداية من الطفل الفلسطينى والمرأة الفلسطينية العظيمة والشيخ الذى رفض ترك أرضه رغم أنه عاش تحت النار ليل نهار وتعرض للتجويع الممنهج.
فالبطل الحقيقى فى هذه الحرب هو المواطن الفلسطينى، وأقترح أن يتم ترشيح الشعب الفلسطينى للحصول على جائزة نوبل، لأنه شعب قاوم الاحتلال، وهو الأمر الذى تقره المواثيق الدولية فى الدفاع عن الأرض.
وآن الأوان أن ينتهى الصراع بين الفصائل الفلسطينية، وأن تتحول فلسطين إلى دولة بالأمر الواقع، ولكن لا يمكن أن تقبل دولة فى العالم بتواجد الميليشيات خارج سيطرتها، بل يجب أن يتوحد الشعب وتنتهى الميليشيات، وتستعيد منظمة التحرير فى فلسطين والدولة اللبنانية أيضًا عافيتهما السياسية، لأن من يدفع ثمن المغامرات غير المحسوبة هو الشعوب وليس الحكومات أو الميليشيات.
انتهت الحرب وانتهى معها الجهاد الأصغر، وبدأ الجهاد الأكبر متمثلًا فى المفاوضات التى أتوقع أن تكون شاقة وصعبة طالما أن نتنياهو على رأس السلطة فى إسرائيل ومعه أسوأ شخصين فى تاريخ البشرية بن غفير وسموتريتش، فهؤلاء ليسوا مجرد مجرمى حرب فقط بل هم مجرمون ضد الإنسانية.
فالسلام لن يتم فى وجود هؤلاء؛ لأنهم لا قيم لديهم ولا عهد لهم ولا أمان، فهم شياطين فى صورة بشر يكرهون المواطن الفلسطينى ويريدون ضم الأراضى الفلسطينية فى غزة والضفة الغربية والقدس وتحقيق الوهم المتمثل فى إسرائيل الكبرى.
وليس أدل على ذلك مما قام به بن غفير، هذا المجنون الجديد، عندما واجه مروان البرغوثى داخل محبسه، وهو مقيد، بكل غل وكراهية قائلًا له «لن ترى الضفة أو غزة مرة أخرى فهى ملك لليهود والصهاينة»، فهؤلاء المتطرفون هم الوجه الآخر لأى متطرفين آخرين مهما كانت مسمياتهم.
وفطن الرئيس عبد الفتاح السيسى والمفاوض المصرى لكل هذه العوامل، فأكد أمام العالم وبعد وقف إطلاق النار، وفى هذا التجمع التاريخى الاستثنائى على ضرورة أن تحظى القوات الأمنية فى غزة بموافقة الأمم المتحدة.
وأخيرًا وليس بآخر، فإن مشهد رفع الأعلام المصرية بكثافة فى غزة هو اعتراف من الشعب الفلسطينى نفسه بعيدًا عن الشائعات والأكاذيب أن مصر لم ولن تفقد أبدًا دورها التاريخى رغم محاولات الجماعات الظلامية والإعلام الصهيونى والكتائب الإلكترونية الممولة من بعض أجهزة الاستخبارات العالمية أن يلصقوا بمصر ما ليس فيها.
فالواقعية السياسية أثبتت أن مصر هى صاحبة الموقف الحقيقى والواقعى لصالح القضية الفلسطينية، والأعلام المصرية فى غزة هى اعتراف بالواقع أن مصر دائمًا منحازة للحق الفلسطينى الذى ضحت من أجله بدماء شهدائها من خير أجناد الأرض على مدار أكثر من 70 عامًا.
فمن أراد أن يهمّش دور مصر فعليه أن يعلم أن الأيام تكشف وتفضح الجميع، وأن مصر مصر بحضارتها وتاريخها وعلمائها وأزهرها وكنيستها ستظل فوق الصغار، ونحن نعلم أن البعض استكثر ما يجرى على أرض مصر، وأنا أقول لهم: من أنتم؟!
ارحموا من فى الأرض
يرحمكم من فى السماء.