النهار
جريدة النهار المصرية

عربي ودولي

كيف تتعامل إيران مع فكرة نزع سلاح حركة حماس؟

علم إيران
كريم عزيز -

كشفت الدكتورة شيماء المرسي، الخبيرة في الشأن الإيراني، موقف إيران من نزع سلاح حركة حماس، موضحة أن إيران تعاملت مع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بوصفه فرصة استراتيجية لإعادة تموضع أذرعها الإقليمية، لا مجرد تسوية ظرفية، فعلى الرغم من تحفظاتها على بعض بنود الاتفاق، إلا أنها أعلنت دعمها الرسمي للهدنة، إذ أكدت وزارة الخارجية الإيرانية في 9 أكتوبر 2025 تأييدها لأي مبادرة تُنهي ما وصفته بالإبادة الجماعية في غزة، داعية إلى انسحاب القوات الإسرائيلية وتسهيل وصول المساعدات وضمان الحقوق الفلسطينية. في الوقت نفسه شددت طهران على ضرورة محاسبة المسئولين عن الجرائم المرتكبة، في توازن مدروس يتيح لها الحفاظ على صورة المدافع عن الفلسطينيين دون الانخراط المباشر في تفاصيل الاتفاق.

وقالت الدكتورة شيماء المرسي، في تحليل لها، إنه في اليوم التالي نشر مستشار الزعيم الإيراني للشئون الدولية، علي أكبر ولايتي، تعليقًا على منصة "إكس" قال فيه: إن وقف إطلاق النار في غزة قد يكون في الخفاء تمهيدًا لإنهاء الهدنة في مكان آخر، في إشارة ضمنية إلى احتمال تصاعد التوتر في جبهات أخرى، مثل إيران، واليمن، والعراق، ولبنان. كان ذلك تلميحًا دبلوماسيًا واضحًا بأن هدوء غزة لا يعني بالضرورة تهدئة شاملة لمحور المقاومة.

وأوضحت أنه لم يُلغِ الخطاب الإيراني الرسمي، الداعم لاتفاق السلام، الموقف العقائدي الثابت الذي عبر عنه مكتب الزعيم الإيراني علي خامنئي، إذ وصف الاتفاق بأنه خطة لإنقاذ نتنياهو من مستنقع غزة، ومحاولة لتجريد المقاومة الفلسطينية من سلاحها، وليس مسارًا نحو سلام حقيقي. وأكد البيان أن الخطة تُقصي أي دور فلسطيني مستقل في تقرير مصير غزة، وتنفي عمليًا فكرة الدولة الفلسطينية، لتبقى مجرد غطاء لتمديد الهيمنة الإسرائيلية، وقطع الطريق على أي مسار دولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية. لذلك ختم المكتب بيانه بجملة صريحة أن نزع سلاح المقاومة هو بداية معاناة غزة، ودعا إلى إجراء استفتاء وطني شامل يقرر فيه جميع الفلسطينيين مصيرهم بحرية تامة.

وتكشف هذه القراءة أن إيران تدرك تمامًا أن نتنياهو يدير ملف غزة من منطلق داخلي، يهدف إلى الظهور بمظهر المنتصر على حماس من دون حرب، وهو ما يفسر قبوله بالمرحلة الأولى من الخطة وتردده في الثانية. فالموافقة الكاملة كانت ستُعد اعترافًا ضمنيًا بالثقل السياسي لحماس، وهو ما يرفضه اليمين الإسرائيلي، لأنه يهز أسطورة الردع التي تقوم عليها العقيدة الأمنية الإسرائيلية. ومن هنا جاء البيان الإيراني الأول في توقيت محسوب بدقة، ليضع نتنياهو بين خيارين أحلاهما مر، إما خسارة اليمين إذا مضى في الخطة، أو الظهور بمظهر العاجز أمام واشنطن إذا تراجع عنها، بحسب الدكتورة شيماء المرسي.

وأشارت إلى أنه في العمق تبدو طهران كمن يدير اللعبة بمبدأ الربح البارد، فهي لا تسعى إلى مواجهة مباشرة، بل إلى استدامة التوتر تحت سقف حرب باردة إقليمية. فكلما بقيت غزة مشتعلة سياسيًا، بقيت إيران منخرطة مع خيوط الملف الفلسطيني، ومحتفظة بشرعية خطاب المقاومة. وبذلك لا تبحث طهران عن حل نهائي في ظل وجود الاحتلال الإسرائيلي، بل عن صراع يعكر صفو إسرائيل ويمنحها شرعية ثورية متجددة للدفاع عن القضية الفلسطينية، ويُبقيها لاعبًا لا يمكن تجاوزه في معادلة الشرق الأوسط.