حلب تشتعل مجددًا.. مواجهات بين ”قسد” والجيش السوري تعيد التوتر إلى الشمال

شهدت مدينة حلب السورية، مساء الإثنين، ليلة متوترة من الاشتباكات العنيفة بين القوات الحكومية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، قبل أن ينجح وسطاء محليون في التوصل إلى اتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار أنهى ساعات من القتال الذي أعاد التوتر إلى المدينة الشمالية التي كانت رمزًا لمعارك الحرب السورية قبل أعوام.
انفجار في الأشرفية أشعل فتيل المواجهة
بحسب مصادر ميدانية، اندلعت الاشتباكات بعد قيام القوات الحكومية بتفجير نفق في حي الأشرفية، وهو أحد الأحياء ذات الغالبية الكردية في حلب، يفصل بين مناطق سيطرة الحكومة و"قسد". الانفجار، الذي سُمع دويه في أحياء مجاورة، كان الشرارة التي أطلقت اشتباكات بالأسلحة المتوسطة والخفيفة بين الطرفين في حيّي الأشرفية والشيخ مقصود، واستمرت لساعات.
رواية دمشق: نفق للتخريب وهجوم على الحواجز
وقالت السلطة الانتقالية في دمشق إن قواتها رصدت نفقًا حفرته عناصر قسد يربط مواقعها بمناطق خلف خطوط الجيش السوري في محيط حي الأشرفية، مضيفة أن الهدف كان "تنفيذ اعتداءات وأعمال تخريبية ضد النقاط الأمنية والعسكرية".
وأوضحت المصادر الحكومية أن القوات فجّرت النفق وأعادت الانتشار حول المنطقة، فيما قامت قوات الأمن الداخلي بنشر حواجز جديدة لمنع تسلل عناصر قسد.
واتهمت دمشق "قسد" بأنها "أرسلت عناصرها بلباس مدني وهاجمت حواجز الأمن بالعصي والحجارة"، قبل أن يتطور الأمر إلى اشتباك مباشر استخدمت فيه قسد قذائف هاون، ما أسفر عن مقتل مدنيين اثنين وعدة جرحى بين صفوف المدنيين والعسكريين، وفق ما أوردته قناة "الإخبارية السورية".
رواية "قسد": تصعيد حكومي وحصار خانق
في المقابل، نفت "قوات سوريا الديمقراطية" رواية دمشق، وأكدت في بيان رسمي أن ما جرى هو "نتيجة مباشرة لاستفزازات الفصائل التابعة لحكومة دمشق ومحاولاتها التوغل بالدبابات والمدرعات في الأحياء الكردية".
وقالت "قسد" إنها لا تمتلك وجودًا عسكريًا في المنطقة منذ انسحابها بموجب تفاهم سابق تم التوصل إليه في الأول من أبريل الماضي، مشيرة إلى أن الهجمات الأخيرة "تأتي ضمن سياسة الحصار الأمني والإنساني التي تفرضها الحكومة على سكان الشيخ مقصود والأشرفية".
وأضاف البيان أن القوات الحكومية تواصل استهداف المدنيين بقذائف الهاون والطيران المسيّر، ما تسبب في سقوط ضحايا وأضرار مادية جسيمة، معتبرة أن ما يحدث استفزاز ممنهج هدفه إخضاع السكان ودفعهم للنزوح.
حصار مستمر وتوتر إنساني متصاعد
وفق مصادر محلية في حي الشيخ مقصود، فإن الوضع الإنساني في المنطقة يتدهور بشكل حاد منذ أسابيع، مع استمرار الحصار المفروض على دخول المواد الغذائية والطبية. وأشار ناشطون إلى أن الأحياء الكردية في حلب تشهد نقصًا حادًا في الإمدادات، في وقت تزداد فيه المخاوف من تجدد المواجهات في أي لحظة.
كما أكدت منظمات مدنية سورية أن الحصار المفروض منذ أشهر فاقم معاناة السكان، حيث توقفت شاحنات المساعدات على مداخل الأحياء بسبب الإجراءات الأمنية المشددة، وسط دعوات للأمم المتحدة للتدخل الفوري لمنع كارثة إنسانية وشيكة.
وقف هش لإطلاق النار ووساطة محلية
وفي وقت متأخر من مساء الإثنين، أعلنت السلطة الانتقالية في دمشق التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الجانبين بوساطة وجهاء محليين من المدينة، على أن يبدأ التنفيذ فورًا، ويتضمن إعادة فتح الطرق وإزالة الحواجز الجديدة.
وبحسب مصادر محلية، فإن الهدوء عاد تدريجيًا إلى الأحياء الكردية فجر الثلاثاء، لكن حالة التوتر والترقب ما زالت سائدة، في ظل غياب أي ضمانات لعدم تكرار المواجهات.
هدنة مؤقتة على برميل بارود
رغم وقف إطلاق النار، فإن الهدوء الذي خيّم على حلب لا يبدو مستقرًا، وسط اتهامات متبادلة واستنفار متواصل من الجانبين. ويخشى مراقبون أن تتحول الاشتباكات الأخيرة إلى مقدمة لجولة جديدة من الصراع الداخلي في الشمال السوري، في ظل غياب أي تسوية سياسية حقيقية أو تفاهمات دولية تضمن استقرار الوضع.
ففي مدينة أنهكتها الحرب وتعيش على صفيح ساخن من التوترات الطائفية والإثنية، يبقى اتفاق الهدنة في حلب أشبه ببرميل بارود ينتظر شرارة جديدة ليشتعل من جديد.