كيف وضعت خطة الرئيس الأمريكي لإنهاء الحرب في غزة إسرائيل في مأزق؟

قدّم تسفي برئيل الكاتب الإسرائيلي، تحليلاً دقيقاً لما يدور حالياً في إسرائيل في تقرير بصحيفة «هآرتس»، موضحاً أن حتى الآن تمتعت إسرائيل بالأولوية داخل البيت الأبيض، لكن التحركات الدبلوماسية العربية وصلات المال مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب غيّرت المعادلة، لافتاً إلى أن «خطة ترامب» تتألف من قسمين لا يعتمد أحدهما على الآخر: المرحلة الأولى، التي تتضمن إطلاق سراح الرهائن، غير مشروطة بإقامة إدارة عربية أو فلسطينية في غزة أو بتنفيذ الخطة الخاصة بإقامة سلطة مؤقتة لإدارة القطاع، حسبما ترجم الدكتور محمد وازن، خبير الشئون الإسرائيلية والدراسات الاستراتيجية.
بحسب تحليل «برئيل»، فإن وقف إطلاق النار لم يدخل بعد حيّز التنفيذ رسميًا؛ فالإطار المتعلق بإعادة جميع الرهائن والجدول الزمني الدقيق لتطبيقه والترتيبات التقنية المطلوبة لتنفيذ المرحلة الأولى تحتاج إلى مفاوضات إضافية يصعب تقدير نهايتها، أما مرحلتها المركزية، أي نقل السيطرة على غزة إلى هيئة إدارية خارجية ربما تستند إلى قوة متعددة الجنسيات، فهي مطروحة كمسودة أولية فقط تتطلب تفاهمات معقدة قبل أن تتحول إلى خطة قابلة للتنفيذ.
خلافًا لجولات التفاوض السابقة التي تناولت فقط صفقة إطلاق الرهائن، تسعى خطة ترامب بحسب الكاتب الإسرائيلي إلى تحرك شامل على مستوى الشرق الأوسط، تكون فيه صفقة الرهائن مجرد الدفعة الأولى، حجر الأساس الذي يطمح ترامب أن يبني عليه مجمّعه الإقليمي، والذي يلمّح في نهايته إلى جائزة نوبل للسلام.
أما عن التحولات التكتونية التي أحدثها ترامب، ذكر الكاتب أنه حتى قبل أن تتضح النتائج، أحدث ترامب تحولات كبرى بتبنيه مواقف دول عربية رائدة، وعلى رأسها السعودية وقطر ومصر، منحها مكانة تفاوضية تفوقت على إسرائيل، كما أن الاهتمام الأمريكي بمصالح إسرائيل الأمنية تراجع لصالح المصالح العربية، وترامب صار يفسر استمرار الحرب كمصلحة سياسية داخلية لإسرائيل لا تلزم واشنطن: «الذروة كانت في أمره غير المسبوق لإسرائيل بوقف القصف في غزة فورًا، بعد ساعات من تهديده مرة أخرى حماس بفتح أبواب الجحيم».
ذكر الكاتب أن إعلان ترامب فاجأ إسرائيل والعرب على حد سواء، وحتى حماس لم تتوقع قرارًا حاسمًا وسريعًا بهذا الشكل، فعمليًا، هذا القرار أخرج المفاوضات من أحد أعقد العقبات – مطلب حماس بضمانات أمريكية، وأنهى الحرب بنفسه، فألغى الحاجة لأي ضمانات، ولا يزال غير واضح ما إذا كان قراره منسقًا مسبقًا مع القادة العرب أو مع أردوغان، الذي تعاظم دوره في المفاوضات وسعى لنَيل الفضل في القرار، مما مهّد الطريق لاعتماد الخطة من قبل حماس.
وحول النتائج السياسية الأوسع، ذكر الكاتب أن تأثيرها يتجاوز غزة، فحتى الآن، كانت الضغوط لتحقيق صفقة الرهائن غير متوازنة: مصر وقطر ضغطتا على حماس، بينما تلقت إسرائيل دعمًا ثابتًا من واشنطن، كما أن التحركات العربية الجديدة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والاتفاقات الاقتصادية الضخمة مع ترامب، والصدمة العالمية من مشاهد الدمار في غزة كلها زعزعت الأسس القديمة للسياسة الأمريكية التي منحت إسرائيل تفوقًا سياسيًا داخل البيت الأبيض.
وقال الكاتب الإسرائيلي: «من وساطة محدودة تشكل الآن تكتل عربي قادر على منافسة إسرائيل داخل واشنطن وله وزن في رسم سياسات المنطقة»، موضحاً أن هذا التكتل هو نفسه الذي أعاد الشرعية السريعة لرئيس سوريا أحمد الشرع، وأقنع ترامب برفع العقوبات عن دمشق، وساهم في إنهاء الحرب بين إسرائيل وإيران، مؤكداً أن الضغط العربي أسقط مشروع «ريفييرا غزة»، وأنتج تصريح ترامب بأنه لن يسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية، محددًا حدودها كما يفعل في غزة.
دلل الكاتب على وجود تباينات داخل الكتلة العربية، لكن هذا ليس جدارًا عربيًا صلبًا، فخلافاتهم عميقة ومصالحهم متعارضة، غير أن إسرائيل التي اعتقدت أن فلسطين لم تعد الرابط بين العرب بعد اتفاقيات إبراهيم – وجدت نفسها مجددًا أمام مفاجأة: «السؤال الآن: هل تستطيع هذه الدول استثمار نفوذها لاستكمال مشروع ترامب؟»، كما أن هذه الدول ستواجه الفجوة بين الخطط على الورق والتطورات على الأرض، التي ستوضح عمليًا نوايا حماس وإسرائيل.
ظاهريًا، خطة ترامب تربط بين إطلاق الرهائن وخطة إدارة غزة وتحجيم حماس ومسار نحو دولة فلسطينية، لكن في الواقع هما خطتان منفصلتان: إطلاق الرهائن لا يرتبط بإقامة إدارة عربية أو فلسطينية في غزة ولا بتطبيق «خطة بلير» لإنشاء سلطة مؤقتة، وفق «برئيل».
كما علق الكاتب على أن الخطة تتحدث عن «سلطة سلام» دولية سيرأسها ترامب رمزيًا، تُدار فعليًا بواسطة توني بلير، وتضم مجلس إدارة مؤقت من «تكنوقراط» تحت رعاية غير محددة للسلطة الفلسطينية، وهنا حماس فلها موقف مختلف: تقبل بألا تكون جزءًا من الإدارة المؤقتة، لكنها تشترط أن يُبحث مستقبل غزة في إطار وطني فلسطيني شامل تكون هي جزءًا منه، مؤكداً أن الحركة لا تتحدث عن نزع سلاحها ولا توضح موقفها من نشر قوة دولية، لكنها تركّز على ضمان موقعها السياسي والإداري في غزة.