النهار
جريدة النهار المصرية

عربي ودولي

خريطة ترامب للانسحاب من غزة.. خطوة نحو السلام أم تمهيد لتدويل القطاع؟

خريطة للإنسحاب من غزة
هالة عبد الهادي -

في خطوة جديدة تعكس سعيه لتسويق خطته لحل الأزمة في قطاع غزة، نشر الرئيس الأميركي دونالد ترامب على منصته “تروث سوشيال” خريطة تفصيلية تُظهر ما وصفه بـ"خط الانسحاب الأولي" للجيش الإسرائيلي من القطاع، كمرحلة أولى ضمن خطة تبادل الأسرى والمحتجزين بين إسرائيل وحركة "حماس".

الخريطة التي كشف عنها ترامب تُعدّ نسخة محدثة لتلك التي أعلن عنها البيت الأبيض قبل نحو أسبوع، وتظهر تفاصيل أوسع للمناطق التي ستبقى تحت السيطرة الإسرائيلية مؤقتًا. إذ تشير بوضوح إلى أن مدينة رفح ومحور فيلادلفيا على الحدود المصرية سيظلان خاضعين للسيطرة الإسرائيلية في هذه المرحلة، إلى جانب مدينة بيت حانون شمال القطاع التي ستظل منطقة عسكرية إسرائيلية حتى اكتمال تنفيذ الاتفاق.

وأكد ترامب أن هذا الانسحاب ليس نهائيًا، بل يمثل الخطوة الأولى في "انسحاب تدريجي مشروط"، موضحًا أن خطته تتألف من 20 بندًا تتضمن مراحل متتالية لنقل السيطرة الأمنية من إسرائيل إلى قوة عربية-إسلامية دولية يجري تشكيلها تحت إشراف واشنطن، بهدف ضمان نزع السلاح من غزة وتثبيت وقف إطلاق النار.

وأشار ترامب في منشوره إلى أن إسرائيل وافقت على هذا الخط بعد مفاوضات مكثفة، وأن بدء وقف إطلاق النار مرتبط بموافقة حركة "حماس" على الخطة، في حين سيجري تبادل الأسرى عقب تنفيذ المرحلة الأولى من الانسحاب.

وفي السياق ذاته، أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأن القوات المنتشرة في مدينة غزة توقفت مؤقتًا في مواقعها الحالية، دون تقدم جديد أو انسحاب فعلي نحو الخطوط الخلفية، مشيرة إلى أن الغارات الأخيرة تركزت على "إزالة تهديدات محتملة" وتحذير المدنيين من العودة شمالًا.

من جانبها، نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" عن مصدر سياسي إسرائيلي أن قرار وقف العمليات الهجومية مؤقتًا يهدف إلى "تهيئة الأجواء" أمام صفقة الأسرى المرتقبة.

ويُذكر أن الخطة الأميركية التي يتبناها ترامب أثارت انقسامًا واسعًا داخل إسرائيل، حيث يرى جناح اليمين المتشدد، وعلى رأسه وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، أن أي انسحاب في هذه المرحلة يمثل "خضوعًا لحماس"، فيما يعتبرها معسكر نتنياهو "خطوة تكتيكية" قد تفتح الباب أمام ترتيبات إقليمية أوسع بإشراف أميركي.

أما على الصعيد الإقليمي، فقد تباينت المواقف؛ إذ رحبت بعض العواصم العربية بالخطوة باعتبارها بادرة لوقف إطلاق النار وإنهاء معاناة المدنيين، بينما عبّر آخرون عن تخوفهم من أن تكون الخطة مقدمة لـ"تدويل قطاع غزة" وتكريس واقع جديد تُستبعد منه الأطراف الفلسطينية.

وفي ظل هذه التطورات، يطرح المراقبون تساؤلًا جوهريًا:هل تمهد خريطة ترامب لانسحاب فعلي يمهّد لإنهاء الحرب وإعادة الإعمار، أم أنها مجرد رسم جغرافي جديد لصراع طويل تحت رعاية أميركية؟

في هذا السياق، يرى المحلل الأول في قسم إسرائيل/فلسطين بمجموعة الأزمات الدولية أمجد عراقي، أن خريطة الانسحاب التي نشرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا تمثل بالضرورة بدايةً لسلام دائم، بل مرحلة تكتيكية مؤقتة تعكس مصالح الأطراف أكثر مما تعبّر عن اتفاق نهائي قابل للتطبيق.

ويقول عراقي: "إن قبول حماس المبدئي للخطة بصيغة «نعم ولكن» خطوة ذكية، لأنها تُلقي بالكرة في ملعب نتنياهو والدول العربية، وتمنح الحركة مساحة سياسية دون الالتزام الكامل بشروط نزع السلاح. ومع ذلك، فإن الخطة تظل هشة للغاية، لأنها تفتقر إلى ضمانات تنفيذ واضحة وآليات رقابة مستقلة، ما يجعل احتمال انهيارها في أي لحظة قائمًا بقوة."

ويضيف الخبير في تحليله أن المرحلة القادمة ستعتمد على مدى جدّية القوة الدولية العربية-الإسلامية التي يُفترض أن تتسلم مهام الأمن في غزة، مشيرًا إلى أن أي انسحاب إسرائيلي دون ترتيبات رقابية صارمة قد يُحوّل الخطة إلى "مجرد إعادة انتشار عسكري" أكثر من كونها تحولًا نحو تسوية سياسية حقيقية.

وفي ختام المشهد، تبدو خريطة ترامب أبعد من مجرد خطوط انسحاب على الورق؛ فهي اختبار جديد لإرادة الأطراف، ولقدرة الولايات المتحدة على فرض تسوية في واحدة من أعقد ساحات الصراع في الشرق الأوسط. وبين من يراها خطوة أولى نحو إنهاء الحرب، ومن يعتبرها مجرد إعادة تموضع سياسي يكرّس الاحتلال بصيغة جديدة، يبقى مصير غزة معلّقًا بين وعود السلام ومخاوف التدويل، فيما يراقب العالم ما إذا كانت هذه الخطة ستفتح باب الحل... أم تُعيد إشعال فتيل الأزمة من جديد.